مع انطلاق الدورة الثالثة والسبعون للأمم المتحدة هذا الأسبوع والتي سيلقي الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال جلستها الافتتاحية كلمة مصر أمام العالم ممثلا في المنظمة الدولية الأهم والتي تتخذ من مدينة نيويورك مقرا لها. ويشارك بالحضور في دورتها الحالية رؤساء أكثر من95 دولة, وكذا سيقوم الرئيس السيسي بإلقاء الكلمة الافتتاحية للاجتماع الوزاري لمجموعة ال77 والصين, والتي سوف تعقد الخميس المقبل بحضور أنطونيو جوتيريش سكرتير عام الأممالمتحدة, حيث تتولي مصر رئاسة المجموعة خلال عام.2018 وتعد هذه الاحتفالية السياسية الدولية التي تعقد كل عام في الثلاثاء الثالث من شهر سبتمبر بمثابة منتدي مفتوح تطرح فيها كل دولة سياستها الخارجية, وتشرح وجهة نظرها في المشكلات والصراعات الدولية الدائرة في أنحاء الكرة الأرضية. وفي هذا الإطار سيقوم الرئيس السيسي الذي يشارك للسنة الخامسة علي التوالي في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بعرض وجهة النظر المصرية في القضايا المثارة والصراعات الدائرة والمشكلات الإقليمية, لا سيما ما يتعلق منها بالأزمة السورية والصراع في اليمن والمشكلات التي تواجهها ليبيا والقضية الفلسطينية, ونزع أسلحة الدمار الشامل من منطقة الشرق الأوسط, وقضايا الإرهاب وحقوق الإنسان, ودعم تحرير التجارة العالمية. ويبقي حرص الرئيس السيسي علي المشاركة في أعمال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة للسنة الخامسة علي التوالي تقليد في غاية الأهمية من أجل تحقيق المصالح العليا لمصر ليس فقط بعرض وجهة نظرها في القضايا المحلية والإقليمية والدولية في هذا المحفل الدولي المهم وأمام كل زعماء العالم, بل أيضا لاستعراض ما تشهده مصر عاما بعد عام من إنجازات تنموية ومشروعات عملاقة في كل المجالات من البنية التحتية إلي إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة إلي إنشاء الطرق والجسور مع توفير الاستقرار الاجتماعي والأمني وتحقيق معدلات ملموسة من التطور والإصلاح الاقتصادي. وخطاب الرئيس السيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية ليس عملا روتينيا أو بروتوكول دوري عابر, ولكنه حضور قوي لمصر وتمثيل رفيع علي مستوي رئيس الجمهورية يتيح للرئيس الفرصة لمقابلة نظرائه من الرؤساء والزعماء للتفاوض المباشر معهم وتنسيق المواقف وشرح وجهة النظر المصرية بوضوح, بما عرف عنه من صراحة وبما يحظي من قبول في الأوساط الدولية, كما أنه فرصة مهمة لتبادل وجهات النظر مع القيادات المؤثرة في صناعة القرار الأمريكي بدءا من الرئيس دونالد ترامب مرورا بأعضاء الكونجرس الأمريكي ووصولا للميديا الأمريكية, فالمناسبة ليست رحلة ترفيهية كما يتوهم البعض, ولكنها رحلة من العمل الشاق تتضمن عشرات المقابلات مع نظرائه من الزعماء والرؤساء علي هامش اجتماعات المنظمة الدولية, ولقاءات مع مسئولين في الإدارة الأمريكية ومحاورين من محطات فضائية وصحفيين. فاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي كانت مصر واحدة من الدول التي شاركت في تأسيسها فرصة سنوية للالتقاء بزعماء العالم لمناقشة كل القضايا وتبادل الآراء وبحث سبل التعاون والاستثمار المشترك, وهي أيضا فرصة للإحاطة بكل ما يدور في العالم من قضايا وخلافات ومناقشة أفضل الطرق لحلها, وبطبيعة الحال يكون لكل زعيم أو رئيس أجندته الخاصة والقضايا التي تعتبر من وجهة نظر بلاده ذات أولوية دون غيرها, وفي هذا السياق يصف الكثير من خبراء العلاقات الدولية اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنها برلمانا دوليا, يحق فيه لكل رئيس دولة أن يحدد سياسة دولته ويعلنها. ومن المتوقع أن تتضمن الرسالة التي يحملها الرئيس السيسي للعالم من خلال كلمته التي سيلقيها أمام الأممالمتحدة وذلك في ضوء كلماته التي ألقاها خلال السنوات الأربع الماضية شرح سياسة مصر الاقتصادية, ونجاح خطة الإصلاح الاقتصادي ودعوة المستثمرين للاستثمار, والتأكيد علي أن مصر تعمل من أجل السلام والتنمية, وأنها ماضية في مواجهة الإرهاب والمؤامرات الخارجية. كما سيتناول إلي جانب الحديث عن الوضع المحلي وما تحقق فيه من إنجازات كبيرة القضايا الإقليمية والأوضاع التي تمر بها بعض دول الجوار العربية, وهي السياسة التي يعلنها منذ بداية الأزمات التي تمر بالمنطقة وهي أن مصر تساند الحلول السلمية في كل من سوريا واليمن, وتسعي إلي رأب الصدوع التي نشأت جراء الصراعات الدموية في هذين البلدين الشقيقين سواء بين أبناء البلد الواحد أو بينها وبين جيرانها, وضرورة فتح المجال للتفاوض المباشر بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل لإقرار سلام عادل بين الطرفين في إطار حل الدولتين, وعدم ترك القضية الفلسطينية دون حل كما هو الحال في الوقت الراهن. القضايا التي سيتم تناولها خلال جلسات الدورة معروفة أغلبها قضايا معلقة لم تصل فيها الدبلوماسية الدولية إلي حلول, وبعضها جديد لم تمر عليه سنوات قليلة, وهي كلها قضايا صراعات إقليمية وأزمات ساخنة لا بدبل عن هذه المساعي لحلها من أهمها بالنسبة لمصر الأزمة الليبية بحكم الجوار الجغرافي والروابط التاريخية والثقافية بين البلدين شعبا وحكومة, وما يجري في سوريا من محاولة تدويل للأزمة المشتعلة منذ2011, مع وجود أطماع إقليمية من جانب كل من إيران وتركيا, والصراع الدموي في اليمن الذي يشهد اشتباكات يومية, كما ستتناول الصراعات في إفريقيا والوضع الاقتصاد الدولي, ومشكلة الإرهاب والهجرة غير الشرعية. ومن المقرر مناقشة القضية الفلسطينية, الحاضرة في كل دورة للجمعية العامة للأمم المتحدة حيث يتم تجديد القرار رقم194, الخاص بمشكلة اللاجئين ووكالة الأونروا لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين, التي تسعي أمريكا وإسرائيل لإلغائها للقضاء علي القضية من أساسها. فمصر التي حصلت علي عضوية مجلس الأمن لعامين متتاليين لم تقف عند حدود مراقبة الموقف بل وظفت جهدها في المجلس لصالح الأمن والسلم العالميين. ودافعت عن حقوق الدول النامية والدول غير المنحازة في كل من آسيا وإفريقيا ودول الجنوب من أجل تحقيق التوازن بين مصالح دول الجنوب ومصالح دول الشمال, إضافة إلي أنها من أكثر دول العالم إسهاما في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة, ولعبت دورا مهما في قرارات مجلس الأمن خلال عضويتها أبرزها دورها في قرار مجلس الأمن الذي رفض اعتراف واشنطنبالقدس عاصمة لإسرائيل كما رفض قرار الرئيس ترامب نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلي القدسالمحتلة واعتبره قرارا أحادي الجانب منعدما لا ينتج أثرا وهو القرار الذي حصل علي تأييد14 عضوا من الأعضاء ال15 لدول مجلس الأمن, وحصل علي128 صوتا في الجمعية العامة بعد أن استخدمت الولاياتالمتحدة حق الفيتو مقابل9 أصوات معارضة. تجدر الإشارة إلي أن أعمال الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة سوف يتم توزيعها علي6 لجان, هي اللجنة السياسية ولجنة التنمية الاقتصادية واللجنة الاجتماعية, أما اللجنة الرابعة فكانت مخصصة لتصفية الاستعمار, ولكن تم تحويل بعض موضوعات اللجنة الأولي عليها فأصبحت هي الأخري مخصصة لقضايا سياسية, ويبدو من توزيع اختصاصات اللجنة الرابعة وجهة نظر المنظمة التي تتجاهل استمرار وجود حالة استعمار صارخة تتمثل في الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية واستمراره منذ ما يزيد علي السبعين عاما, ما يؤكد ضرورة الوجود المصري والعربي والفلسطيني لتذكير العالم بالقضية الفلسطينية العادلة, وتختص اللجنة الخامسة بالأعمال المالية, أما اللجنة السادسة والأخيرة فهي مختصة بالشئون القانونية, وستتولي كل لجنة ملفا من الملفات المطروحة للمناقشة خلال الدورة. وقد تم الاتفاق علي أن يكون محور النقاش في دورة2018 البحث في سبل جعل الأممالمتحدة وثيقة الصلة والأهمية لجميع أعضائها باعتبار المنظمة الدولية بمثابة القيادة الموحدة للعالم, ومن ثم يتوجب عليها بكامل أعضائها تحمل مسئوليتها لتهيئة المجتمعات لكي يسودها السلام وأن تتكفل بضمان تحقيق التكافؤ بين كل المجتمعات. ... وبعيدا عن أروقة منظمة الأممالمتحدة والأجواء الدبلوماسية والمقارعات السياسية والخطابات والكلمات الرنانة للزعماء والقادة والرؤساء والبعثات الدبلوماسية والوفود الصحفية, تشهد مدينة نيويورك خلال دورة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة كل عام حالة خاصة من الزخم السياسي, والحراك الاقتصادي والسياحي, والزحام الذي اعتاده سكان هذه المدينة المهمة التي تعد مدينة المال والأعمال الأولي في العالم, يضاف إلي ذلك حالة استنفار أمني مشدد للشرطة الأمريكية لتأمين المواكب الرئاسية, والمشاركين في أعمال الدور, ومحاولة منع وقوع أي اعتداءات أو حوادث إرهابية, يضاف لهذا عشرات التظاهرات المؤيدة والمعارضة لبعض الزعماء القادمين من جهات العالم الأربع, مع رواج شديد في المحال التجارية والمولات والمطاعم وحركة سيارات الأجرة التي تعتبر هذه المناسبة موسما سياحيا مربحا جدا.