ها هو العام الهجري ألف أربعمائة وتسعة وثلاثون قد انقضي, وانقضاء الأيام والأعوام ذكري وموعظة لقلوب المؤمنين, إن هذه الدنيا ليست بدار قرار, قد كتب الله عليها الفناء, تلك حقيقة الدنيا التي ذكر بها مؤمن آل فرعون قومه حين قال: يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار, غافر:39].. زين الله هذه الدنيا واستخلفنا فيها لنعبده وحده ولا نعبد الدنيا ولا زينة الدنيا, فنعيش فيها له عبادا له وحده, قال تعالي: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون, الذاريات:56] وقال: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين* لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) الأنعام:162,.163) ما خلق الله هذه الدنيا عبثا ولا باطلا ولا لعبا, قال تعالي وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار, ص:27]. وقد أخبر الله عز وجل أن هذه الدنيا دار ابتلاء واختبار ليتميز الطائع من العاصي, ثم هي إلي فناء وزوال, قال تعالي عن حقيقة الدنيا: إنا جعلنا ما علي الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا* وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا, الكهف:8,7] وقال النبي صلي الله عليه وسلم:(( إن الدنيا حلوة خضرة, وإن الله مستخلفكم فيها, فينظر كيف تعملون, فاتقوا الدنيا واتقوا النساء, فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)), رواه مسلم2742]. و كل لحظة تمر بنا تباعدنا عن الدنيا وتقربنا إلي الآخرة.. فما الواحد منا إلا أيام.. إذا ذهب يومه ذهب بعضه.. قال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتت عليك؟ قال: ستون سنة, قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلي ربك توشك أن تبلغ, فقال الرجل: يا أبا علي, إنا لله وإنا إليه راجعون, سورة البقرة آية156], قال له الفضيل: تعلم ما تقول؟ قال الرجل: قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون, قال الفضيل: تعلم ما تفسيره؟ قال الرجل: فسره لنا يا أبا علي, قال: قولك إنا لله, تقول: أنا لله عبد, وأنا إلي الله راجع, فمن علم أنه عبد الله وأنه إليه راجع, فليعلم بأنه موقوف, ومن علم بأنه موقوف فليعلم بأنه مسئول, ومن علم أنه مسئول فليعد للسؤال جوابا, فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة, قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي, يغفر لك ما مضي وما بقي, فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما مضي وما بقي.