بدأنا هذا الطريق بتوبة نصوحة, ثم الإخلاص في القول والعمل, وذلك لتحقيق صفات المؤمنين فينا فنكون من المتقين فنتحلي بالصدق الذي سيعيننا علي الصبر علي شدائد الحياة.. وقد رأينا سابقا كيف ربط الله الصدق بالتقوي وأنهما الدين كله, فلنتعرف علي علاقة الصبر بالتقوي فهي بمنزلة الروح من الجسد فالصبر أثر من آثار التقوي هو قرينها لا يفارقها, فالصبر هو مواجهة الصعاب بقلب مطمئن ورضاء بقضاء الله وقدره والتخلي عن كل ما يجلب اليأس, ولن يكون ذلك إلا بطاعة الله. فاصبر علي الطاعات حتي تؤديها دون تباطؤ ابتغاء مرضاة الله وطمعا في جنته, واصبر علي محارم الله وابتعد عنها امتثالا لأوامر الله وخوفا من عقابه, واصبر علي أقدار مؤلمة حتي تحصل علي رضوان الله ورحمته, وللصبر درجات عظيمة أعلاها عند الصدمة الأولي فيقول العبد( إنا لله وإنا إليه راجعون) شريطة أن تكون خارجة من أعماق القلب باقتناع, ولما سمع الفضيل بن عياض رجلا يقولها قال له أتدري ما معناها.. فسكت الرجل فقال الفضيل من علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف بين يدي الله, ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسئول من الله, ومن علم أنه مسئول فليعد للسؤال جوابا, فقال الرجل وما الحيلة, قال الفضيل يسيره, تحسن فيما بقي من عمر له يغفر لك ما مضي وما قد بقي. والنبي صلي الله عليه وسلم عندما رأي امرأة تبكي عند قبرلها قال( اتقي الله واصبري) فأمرها بالتقوي قبل الصبر لأنه لو وجدت التقوي لصبر الإنسان حتما. والله سبحانه يقول( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) فأمر الله المؤمنين بأربعة أوامر وهي: اصبروا أي الصبر عند المعاصي فلا تفعلوها ولا تقربوها. وصابروا علي الطاعة لأن فعل الطاعة مثل ترك المعصية ثقيل علي النفس, لذلك كان الصبر علي الطاعة أفضل من الصبر علي المعصية فقال تعالي( وصابروا) يعني جاهدوا وأما المرابطة فهي كثرة الخير والاستمرار عليه, لذلك جاء في الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم( إسباغ الوضوء علي المكاره وكثرة الخطا إلي المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط) وذلك لأن فيه استمرارا في الطاعة. وأما التقوي( فهي تعم ذلك كله) لأنك ستتخذ ما بقي من عقاب الله فهو سبب الفلاح( لعلكم تفلحون) بل ان الله سبحانه قال( انه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) والسؤال كيف أعلم نفسي قبول الابتلاء والصبر عليه؟ فلابد أن يستحضر الانسان عظمة ربنا ويعرف أنه عبد ضئيل ومدي عجزه أمام خالق هذا الكون لا يستطيع حلية وليس له اختيار في بلاء الله فعندها سيرضي بما قسمه الله, ففي الحديث( إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإن صبر اجتباه فإن رضي إصطفاه)... عباد الله( إن العبد إذا أذنب ذنبا فتصيبه شدة أو بلاء في الدنيا فالله أكرم من أن يعذبه تاليا), ثم أبشروا بقوله تعالي( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار). داعية بوزارة الأوقاف