هذه فكرة جديدة لكنها مستلهمة من الثقافة المجتمعية التي خلطت بين( البلاء) و(البلوي) وبين( الامتحان) و(المحنة) كما عبر صديقي العزيز د. أحمد درويش, فلم تر في البلاء إلا المصائب والأحزان والأزمات والكوارث.. وهكذا ظلمت فكرة من أهم الأفكار التي تصنع المعجزات, لو أمكن استغلالها والاستفادة منه ; ذلك أن البلاء يمثل حالة اختبار لمدي كفاءة وقدرة الأجهزة العقلية والنفسية والجسمية بالنسبة للفرد, كما يمثل في الوقت نفسه حالة اختبار للقدرات المجتمعية, ومدي تماسك المجتمع أو ضعفه وتهالكه.. وما دام البلاء قانونا من القوانين الكونية وسنة من سنن الله فلا شك أنه يحقق غايات ومنافع في حياة البشر, ككل السنن التي تحكم حركة الوجود, وتؤدي وظائف مقدرة لا تتخلف ولا تتبدل. وليس من الصعب أن نؤيد الفكرة السابقة, بآية قرآنية تعد قانونا من قوانين القرآن كما يقول أستاذي الدكتور حامد طاهر وهي قوله تعالي: (....قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا....) التوبة51 فما دام الله تعالي كتب لنا لا علينا, فإن ذلك يفيد أن البلاء سيكون لخير الإنسان ونفعه أدرك ذلك أولم يدرك, لأن القوانين الإلهية تمارس دورها في تصريف أمر الحياة والأحياء دون الرجوع إلي أحد, بل ودون أن تعلن عن نفسها باعتبارها جنودا من جند الله(.... وما يعلم جنود ربك إلا هو.....) المدثر31. وفكرة توظيف البلاء واستثماره لا تنتظر وقوع البلاء وإنما تستشرفه وتتوقعه وتعمل علي تحويل أو تغيير مساره بحيث يتحول من نقمة إلي نعمة, ومن هزيمة إلي نصر, ومن تبعية إلي استقلال, ومن احتياج إلي استغناء.. هذه الرؤيا بأن مصر في ذلك الوقت كانت مقبلة علي مجاعة وهذا هو البلاء المتوقع فاتخذ, بعد أن أسند إليه الأمر, عدة إجراءات يواجه بها البلاء القادم كما في قوله تعالي:وهذا ما كشفت عنه رؤيا الملك(.... إني أري سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات....) وفسر يوسف(... قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون* ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون* ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون....)يوسف الآية47 و48و.49 فقد تعامل يوسف مع البلاء القادم بالعقلية العلمية التي قامت علي خطة سبعية تعقبها خطة أخري بالمدة نفسها, وبعد هاتين الخطتين, يأتي الغوث ويتحقق الخير وتكون البلاد قد نجت من بلاء أو شبح المجاعة التي كانت- لو تحققت- ستهلك الحرث والنسل.. إن حديث القرآن عن البلاء, يعطينا إشارات واضحة عن ضرورة أخذ أقصي درجات الاستعداد والجاهزية, لملاقاة البلاء الذي قد يأتي في صورة مجاعة أو مرض أو هزيمة أو فشل أو خسائر مادية.. وتتطلب المواجهة عندئذ استنفار وحشد كل الوسائل والإمكانات التي تجعل من البلاء فرصة لاستعادة كل أشكال القوة المادية والمعنوية.. وهذا هو المقصود بتوظيف البلاء واستثماره..