ثمة مؤشرات عديدة علي أن مسار مجال التسلح العالمي ومنظومات تطوير القدرات والإمكانات العسكرية للجيوش, تشهد طفرة نوعية في الاعتماد علي الذكاء الاصطناعي لدرجة أن تقييم مستوي الاهتمام لدي القوي الدولية بتطوير منظومات الذكاء الاصطناعي في المجالات الأمنية والعسكرية, يوحي بأن هناك سباق تسلح عالميا, كما أن مراكز البحوث العسكرية في العالم منشغلة بها بقدر كبير; ومن المرتقب أن تنعكس هذه الطفرة في المستقبل بشكل قد يحمل مفاجآت يتخوف منها البعض ويتحمس لها البعض الآخر, ومن ثم فهي ظاهرة تستحق الرصد. انعكست الثورة التكنولوجية والتطور المتسارع في أنظمة الذكاء الاصطناعي علي مختلف المجالات وأصبحت المحركة لمختلف الأنشطة الحياتية, بل إن حيازتها أصبحت العنصر الحاسم في تحديد موازين القوي العالمية, ولعل تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين, بأن الذكاء الاصطناعي هو المستقبل وأن من سيصبح رائدا في هذا المجال سيقود العالم هو أبرز مثال علي ذلك, ولكن وعلي الرغم من الانعكاسات الإيجابية لهذا التطور علي مختلف أوجه الحياة, فإن هناك دوما الجانب الآخر السلبي والذي بدا بوضوح في رد رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك علي بوتين بأن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلي اندلاع حرب عالمية ثالثة, محذرا من أنه قد يكون أكبر تهديد للبشرية, وهو أيضا تحذير عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينج من مخاطر الذكاء الاصطناعي ووصفه بأنه تهديد للجنس البشري لا يأخذه العالم علي محمل الجد, واضعا محاولات استغلال الذكاء الاصطناعي من قبل التنظيمات الإرهابية علي رأس هذه المخاطر التي أصبحت تؤرق العالم بأكمله. هذه المخاوف هي التي جعلت السعي نحو إيجاد حلول للحد من إمكانات استغلال تقنيات الذكاء الصناعي من قبل العناصر الإرهابية هو الشغل الشاغل لمختلف مؤسسات الفكر والحكومات والأجهزة الأمنية والاستخباراتية في مختلف أنحاء العالم, وتأتي تلك التخوفات كنتيجة طبيعية للتقييم الراهن, حول مدي عنف الظواهر الإرهابية, وكارثية استحواذ التنظيمات الإرهابية علي أدوات القوة التي قد تودي بالعالم إلي نهايته, خاصة أن هناك ما يشبه الاتفاق العام بين المحللين بأن التنظيمات الإرهابية سوف تقوم باستغلال الذكاء الاصطناعي قريبا, خاصة مع سهولة الوصول إلي هذه الأنظمة وإمكان تطويرها, وهو ما حدث مع تكنولوجيا الطائرات بدون طيار التي استطاعت التنظيمات الإرهابية إجراء تعديلات عليها لتتناسب مع أغراضها واستخدامها في أغراض الهجوم والتجسس, فمن غير المستبعد أيضا أن تلجأ التنظيمات الإرهابية إلي بناء جيل جديد من الطائرات, اعتمادا علي تقنيات الذكاء الاصطناعي, وقد يصل الأمر إلي استخدام السيارات ذاتية القيادة لتنفيذ هجمات واغتيالات عقب تفخيخها. وواجه القائمون علي مواقع التواصل الاجتماعي, العديد من الضغوط لمحاولة إيجاد حلول تحول دون إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي ومحاولة استغلال تقنياته في محاربة الإرهاب, وهو ما دفع شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التعرف علي المحتوي الإرهابي وإزالته باستعمال خوارزميات متطورة لاستخراج الكلمات والصور ومقاطع الفيديو التي تدعو إلي الإرهاب, وإزالة الدعاية والرسائل التي يعمل علي نشرها المتطرفون وهو ما يمثل تحولا في سياسة فيس بوك والتي كانت تكتفي فقط بالتعامل مع المحتوي المشتبه فيه في حال إبلاغ المستخدمين عنه أولا, وقد قامت أيضا شركات يوتيوب وفيس بوك وتويتر وميكروسوفت بإنشاء قاعدة بيانات مشتركة للبصمة الرقمية والتي ترتبط تلقائيا بمقاطع الفيديو أو الصور التي تحرض علي الإرهاب أو الكراهية من أجل التعاون بين هذه الكيانات في تحديد نفس المحتوي علي منصاتهم, بالإضافة إلي التعاون في طرح الحلول الهندسية وتقاسم تقنيات تصنيف المحتوي وأساليب الإبلاغ. واتجهت الولاياتالمتحدة منذ زمن إلي الاعتماد علي الذكاء الاصطناعي في التعامل مع ما تواجهه من تحديات دولية وتخصص استثمارات ضخمة في العديد من المشروعات التي تحاول من خلالها استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي في الحرب علي الإرهاب, وتبحث أجهزة الاستخبارات التابعة للبنتاجون استخدام الذكاء الاصطناعي في تحويل مليارات البيانات الجزئية المتوافرة لديهم إلي معلومات موثوقة يمكن استخدامها في ساحة المعركة, خاصة في ظل إمكان الاعتماد علي أنظمة الذكاء الاصطناعي في تحليل كم هائل من البيانات والمعلومات التي كان يستحيل القيام بها يدويا, علي سبيل المثال يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في عمل مسح شامل ودقيق لمحتوي شبكات التواصل الاجتماعي للبحث عن معلومات ويتم برمجة الأنظمة القائمة علي الذكاء الاصطناعي بحيث يمكنها اختيار كلمات مفتاحية أو رصد أي تكرار أو تطابق في المحتوي. وعلي الجانب الآخر, انطلقت جهود مستقلة عدة لمحاولة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مكافحة الإرهاب, وأبرزها ما قام به باحثون أمريكيون من الاعتماد علي الذكاء الاصطناعي في فهم الإستراتيجيات العسكرية لتنظيم داعش من خلال نظام حسابي يقوم بتحليل التكتيات العسكرية للتنظيم ويربطها بالغارات الجوية التي يتعرض لها, واعتمد النظام الحسابي علي دراسته2200 حادث مسجل لنشاط التنظيم, خلال النصف الثاني من عام2014 في توقع أنماط الهجمات التي قد يشنها التنظيم في المستقبل, ويأتي هذا في ظل اتساع نطاق الاعتماد علي الروبوتات العسكرية الذي امتد ليصل لإدماجها ضمن القوات القتالية للدول التي سعت لاستخدامها في مكافحة الإرهاب وأصبحت قادرة علي المشاركة في حروب الشوارع, وفي الطرق الوعرة وتحت أي ظروف مناخية, بالإضافة إلي الإصابة الدقيقة للأهداف الثابتة والمتحركة, ولعل التطوير المستمر لإمكانات هذه الروبوتات يضمن الحد من الخسائر البشرية ويقلل من انغماس العنصر البشري في المعارك, خاصة في ظل تدرج تطورات أنظمة الذكاء الاجتماعي من أنظمة شبه مستقلة يتحكم بها العنصر البشري إلي أنظمة مستقلة تقوم بإعادة تشغيل نفسها وتطوير وظائفها وليس فقط اتباع التعليمات والخطط المسبقة. وفي النهاية, فإن المعضلة الكبري التي تواجه محاولات وجهود الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مواجهة الإرهاب تتمثل في أنها لا تمثل جهودا استباقية, وإنما تأتي كرد فعل لإساءة استخدام هذه التقنيات من قبل العناصر المتطرفة, وهو ما يعني أن الإرهاب قد يكون سابقا بخطوة, ولعل ما يحدث من تطوير في تقنيات وتكتيكات وسبل مواجهة الإرهاب يواكبه تطور مماثل علي الجانب الآخر لدي التنظيم الإرهابي, خاصة مع تطور طبيعة وخصائص العنصر الإرهابي وبناء التنظيمات الإرهابية التي أصبحت أكثر حرصا علي انتقاء وجذب العناصر المؤهلة والتي يمكن استغلالها في هذا الاتجاه.