بين حين وآخر خاصة في المناسبات أحس بسعادة غامرة عندما أهاتف الدكتور عبدالقادر حاتم الرجل الذي أرسي قواعد الإعلام المصري وأسس وأدار الصرح الضخم الشامخ الذي يقع علي كورنيش النيل في ماسبيرو. وكنت قد قرأت حديثا لسيادته تناول فيه ذكريات وضعه قواعد السياحة في مصر وكيف أنها ستكون من أهم وسائل زيادة الاستثمار وأن حصيلتها ستفوق حصيلة ما نجنيه من زراعة القطن. وقال الدكتور حاتم في معرض ذكرياته مع الأستاذ مصطفي النجار المشرف ومحرر باب السياحة في الأهرام الغراء, إن فرانكو رئيس اسبانيا في الخمسينيات أهداه سيارتين مرسيدس بعد زيارته لإسبانيا التي استضافته ليعطيها بعض أفكاره عن تنشيط السياحة بها, وكيف أنه أي الدكتور حاتم أعطي السيارتين لرئاسة الجمهورية, وقلت للدكتور حاتم: كيف لم تستعمل حتي ولو سيارة منهما لنفسك؟! وقال الرجل الحمد لله كانت الدولة تخصص لي سيارة فيات مثل التي يستقلها الأكثرية من أبناء مصر, ثم أننا من أنباء ثورة يوليو.. وكنا نتقي الله في أموال الدولة. وفي مناسبات أعياد التليفزيون التي ستهل علينا قريبا, تطرق الحديث بعد ذلك إلي الإعلام المصري وكيف تمت إقامة صرحه متمثلا في المبني القائم علي نيل مصر ضاما الإذاعة والتليفزيون ويسرد.. الدكتور حاتم قصة إنشاء التليفزيون, وكيف أن الكثيرين من المسئولين لم يكونوا موافقين علي إنشائه حتي إن الزعيم عبدالناصر قال ل: يا حاتم إذا كنت مصرا علي فكرة إنشاء وإدخال التليفزيون فعليك أن تقنع مجلس الوزراء بالفكرة. ويقول الدكتور حاتم إن عددا من الوزراء لم يكن مقتنعا بالفكرة, سيد مرعي مثلا وزير الزراعة, قال إن التليفزيون سيجعل الفلاح يقبع أمامه وبالتالي يعتاد علي السهر مما يجعله لا يصحو من النوم مبكرا لفلاحة الأرض, كمال الدين حسين وزير التعليم, قال إن الأموال التي ستصرف علي هذا الجهاز أحري بنا أن نبني بها مدارس لنعلم الناس, المهندس الشرباصي وزير الاشغال والري, قال إن التليفزيون سيقدم برامج فيها بعض عدم الالتزام بالدين مثل الرقص وما إلي ذلك, عزيز صدقي وزير الصناعة, قال إن صناعة التليفزيون تحتاج إلي أجهزة ومصانع وليست لدينا الخبرة في ذلك. وهنا نظر عبدالناصر إلي الدكتور حاتم لكي يقارع الحجة بالحجة, وكان أن انبري الدكتور حاتم قائلا, إن التليفزيون سيعلم الفلاح كيف يضاعف من انتاجية الفدان بما سيقدمه له من إرشادات وسيسهم في رفع معدلات صحة المواطن بما يقدمه من توعية بأمور الصحة العامة وأنه أي التليفزيون سيكون أداة إيجابية في محو أمية المواطنين بما سيقدمه من برامج تمحو هذه الآفة ثم إن التليفزيون سيكون أداة تنوير لجموع المواطنين ووسيلة إرشاد لهم نحو الأفضل ويهذب من سلوكياتهم مع التزامهم بمعايير الأخلاق الكريمة بما سيقدمه من أحاديث وبرامج تبين لهم أسس الدين الحنيف, وكيفية تعاملهم مع بعضهم البعض. ينهي الدكتور حاتم حديثه التليفوني لي بأن عبدالناصر قطع المناقشة قائلا: يا دكتور حاتم أنا مش ممانع في إنشاء التليفزيون, ولكن ليس لدينا إلا مائتا ألف جنيه فقط لاغير كميزانية لإنشائه. ويقول الدكتور حاتم إنه وافق علي الفور علي تنفيذ المشروع بهذه الميزانية الضئيلة وهكذا بدأ العمل بكثير من الجهد وإعمال الفكر والطموح وإذا بالصورة تبهر الناس وتجعلهم متميزين بهذا الوليد الإعلامي الذي لم تمض إلا سنوات قليلة حتي شب عن الطوق وكان له مبناه الضخم في ماسبيرو وليصبح التليفزيون المصري هو الرائد في المنطقة وصاحب الكلمة الحلوة واللحن العذب والبرنامج الجذاب والخبر الصادق, وكل ذلك بدأ بميزانية قدرها مائتا ألف جنيه.