الإصلاح الجذري معناه إزالة الفساد وإعادة الأمور إلي وجه الصواب وتصليح كل أمر فاسد في مفاصل الدولة العراقية وأينما وجد. وبعد ارتفاع الأصوات المطالبة بتحقيق الإصلاحات من قبل الشارع العراقي ومن قبل دعاة الإصلاحات لم نجد سوي ردة فعل صغيرة لا يمكن نعتها بالإصلاح الحقيقي. فتغير الكابينة الوزارية ليس سوي إصلاح شكلي. وحتي برنامج الإصلاحات الذي أطلقه العبادي كان ردة فعل لمناشدات المرجعية الرشيدة المتكررة بضرورة إطلاق برنامج إصلاحات يشمل كل مفاصل الدولة العراقية وتنعكس تلك الإصلاحات ايجابيا علي حياة المواطن العراقي. فتغيير الكابينة الوزارية لا يعد سوي خطوة بسيطة لإيهام الجميع بأنه تم تنفيذ الإصلاحات في الوقت الذي كان فيه الجميع ينتظر برنامج إصلاحات شاملا يمتد إلي السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية والهيئات المستقلة التي تثير هي الأخري ألف سؤال وسؤال حول وجودها من عدمه. والحقيقة أن العملية السياسية في العراق بحاجة إلي إصلاح جذري يشمل الدستور العراقي والقوانين والأنظمة التي تسير الدولة العراقية. فعلي صناع القرار ودعاة الإصلاح ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والأكاديميين وضع خطة عمل إصلاحية تشمل تشخيص الداء والسلبيات في تلك القوانين والأنظمة والدستور العراقي ووضع بدائل صحيحة وقانونية تحافظ علي هيبة الدولة العراقية وتحافظ علي كرامة الإنسان العراقي بما يضمن حقوقه الأساسية كمواطن من الدرجة الأولي. إن حجم السلبيات والأمراض التي يعاني منها العراق كبير جدا ولا يمكن إصلاحها بورقة إصلاحات بسيطة يعدها الساسة. بمعزل عن أصحاب التخصص وفي ظل سياسة الإقصاء الواضحة والتي يراد منها الانفراد بقرارات الإصلاحات الشكلية وإعطاء شرعنه لتك القرارات من خلال مبادرات شكلية فارغة وجوفاء ولا علاقة لها بالإصلاح لا من بعيد ولا من قريب. إن العملية السياسية في العراق بحاجة إلي تدخل كبير داخلي لا خارجي وبحاجة إلي عقول عراقية نقية وبحاجة إلي خطة عمل وطنية وخطة عمل ملزمة للجميع وبحاجة إلي مشاركة جماهيرية واسعة لا إلي اقتصارها علي ساسة المنطقة الخضراء وبحاجة إلي من يشعر بمعاناة وهموم الطبقة الجماهيرية الواسعة تلك الطبقة التي مازالت تعيش ظروفا إنسانية معقدة. التفاهمات الجارية بين الكتل السياسية الفائزة بالانتخابات التشريعية2018 لتحديد معالم رئيس الحكومة المقبلة وأسس البرنامج الحكومي لرئيس الوزراء القادم والذي ربما يكون حيدر العبادي رئيس الوزراء الحالي هو الأكثر تداولا رغم أن هنالك من يطالب بعدم منح رئاسة الوزراء لحزب الدعوة للمرة الرابعة علي خلفية الإخفاقات والفشل الكبير في اغلب ملفات الأوضاع السياسية والاقتصادية. والحقيقة أن اغلب البرامج الانتخابية للكتل السياسية الفائزة ركزت علي محو الإصلاح ومحاربة الفساد وتجاوز مرحلة المحاصصة السياسية والتي أسهمت في نمو شبكات الفساد وتفاقم الأزمة الاقتصادية وانهيار منظومة الخدمات في العراق ألقي بظلاله علي المشاركة في الانتخابات النيابية2018 ناهيك عن هيمنة الأحزاب علي زمام الأمور حتي أصبح كل حزب دولة داخل الدولة, كل ذلك أدي إلي عزوف المواطنين عن المشاركة التي وصلت نسبتها إلي44% حسب مصادر في المفوضية المستقلة للانتخابات رغم حملات التحشيد الإعلامي والدعاية الانتخابية الضخمة سواء حزبية كانت أو رسمية, كل ذلك جعل الأحزاب الرئيسة المهيمنة علي دفة الحكم, تعيد حساباتها وتبرمج برامجها الانتخابية وفق ما تتعرض لها الساحة السياسية من متغيرات طالت حتي جمهور تلك الأحزاب, فالبعض منها غير إستراتجيته قبيل خوض العملية الانتخابية حيث كانت تلك الأحزاب تشعر بالخيبة من ضعف المشاركة الجماهيرية في الانتخابية طبقا لأخطاء ارتكبتها تلك الأحزاب ومنها تغليب المصالح الحزبية الضيقة علي مصلحة الوطن, ناهيك عن العيوب الكبيرة في العملية السياسية في العراق والتي حولت سلطة الدولة والقانون إلي سلطة أحزاب تتنافس فيما بينها علي كسب التأييد وشراء الذمم. إن الصراع الكبير بين الأحزاب الشيعية للظفر بمنصب رئيس الوزراء قد شكل الشغل الشاغل لتلك الأحزاب والكيانات السياسية الفائزة. حيث تصر أغلب الكيانات السياسية علي عدم إبقاء منصب رئيس الوزراء القادم بيد حزب الدعوة الإسلامية وهو شرط وضعه مقتدي الصدر زعيم التيار الصدري الحاصل علي أكثر من54 معقدا. وهو الأمر الذي جعل حيدر العبادي زعيم كتلة النصر يعيد حساباته مرات ومرات من اجل الظفر بولاية ثانية ربما يكون فيها خارج أطر حزب الدعوة إذا قبل بشرط وتوصيات مقتدي الصدر. فيما ينتظر هادي العامري زعيم كتلة الفتح التي تضم الفصائل المسلحة وقيادات من الحشد الشعبي إلي مخرجات الأمور بين الصدر والعبادي ليقرر من سيدعم لتولي منصب رئيس الوزراء وهو المنصب الذي يحتاج في المرحلة المقبلة الي شخصية مرنة بمواصفات خاصة قادرة علي معالجة الأزمات أزمة تلو الأزمة وان يكون قادر علي العمل بحنكة واسعة علي إدارة التوازنات سواء داخليا أو خارجيا وفق اطر وسياقات يحافظ من خلالها علي عراق موحد يستقطب الجميع وألا يكون ساحة لصراعات دولية وإقليمية, ولعل من أبرز مهام رئيس الوزراء القادم هو قيادة وإدارة عشرات الملفات العالقة والمرحلة من زمن الحكومات السابقة. ولعل شكل التحالفات السياسية القادمة كما أثبتته التصريحات الرسمية لزعماء معروفين هو وضع خريطة طريق لرئيس الوزراء المقبل ربما حتي انه قد يكون مجرد موظف تنفيذي كبير لدي الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات يتولي إدارة برنامج تنفيذي وضعته الكتل والأحزاب السياسية الفائزة من أجل المحافظة علي ولائه التام لها. ورغم تعقيدات المشهد السياسي في العراق في مرحلة ما بعد ظهور نتائج الانتخابات تبقي لقاءات الكتل السياسية الرامية لتشكيل الحكومة تنطلق من خط الشروع الأول عبر بوابة مقتدي الصدر في النجف الاشرف والتي أصبحت قطب كبيرا في حوارات واجتماعات تشكيل الكتل الأكبر التي ستتولي تشكيل الحكومة العراقية المقبل فيما ستتصارع الكتل السياسية السنية فيما بينها من أجل ترشيح شخصية رئيس مجلس النواب في ظل تشظي الكتل السنية فيما تظهر القوي الكردية المعارضة لسياسة الحزبيين الكرديين تدشن حواراتها مع ساسة السنة والشيعة للدفع من أجل حرمان الحزبيين الكرديين من إعطائهم حق اختيار رئيس الجمهورية أو حتي تسمية وزرائهم في الحكومة المقبلة. والحقيقة التي يجب الاعتراف بها أن كل تلك الحوارات تتم بمعزل عن ائتلاف دولة القانون الذي يقوده نوري المالكي وكأن هنالك من وضع ائتلافه في القائمة السوداء كعقوبة للمالكي علي خلفية سياسة الثماني سنوات التي ترأس فيها رئاسة الوزراء في ظل ميزانية انفجارية وصلت ذروتها إلي أكثر من140 مليار دولار.