جاء قرار السيد مقتدى الصدر بالاعتصام داخل المنطقة الخضراء في وقت مهم وخطير وفي زمن خطورته تكمن في امرين أولهما: عدم قبول أكثر الكتل السياسية في العراق بالتنازل عن حصصها في الحقائب الوزارية لصالح التغير الوزاري الذي يريدها أغلبية العراقيين الذي يسعى له رئيس الوزراء حيدر العبادي، فهو يريد حكومة بوزراء تكنوقراط وأصحاب كفاءات علمية علهم يخروج العراق من الأزمات الاقتصادية والأمنية التي يعاني منها. أما الثانية: فهمي أن العراق يواجه تهديدا مصيريا بسبب عصابات داعش الإرهابية التي عاثت في الارض فسادا وهو أمر يحتاج إلى حكومة قوية قادرة على اتخاذ قرارات واضحة في سبيل تحرير ارض العراق من هذا الوباء الخطير وقد أصبح يوم الجمعة أكثر رمزية لدى منذ نهاية عام 2015 إلى الوقت الحاضر، وذلك ليعبر فيه العراقيون عن إرادتهم في إصلاح مسار الدولة العراقية، عن طريق إصرارهم على التظاهرات وطلب الإصلاح الذي أصبح مطلبًا ضروريًا، ولاسيما أن الأزمة الاقتصادية قد رافقت الأزمات السياسية والأمنية. إن التقاط السيد مقتدى الصدر لحظة إعلان المرجعية الشيعية في النجف وعبر منبرها في كربلاء بأنها لن تتعاطى في الشأن السياسي مستقبلًا، وتزايد السخط الشعبي الذي اعتاد على الخروج إلى الشارع أسبوعيًا بتظاهرات الإصلاح تعبيرًا عن رفضه لواقع الدولة المتردي، ففي يوم الجمعة المصادف 26/2/ 2016 دعا زعيم التيار الصدري السيد (مقتدى الصدر) صاحب المشروع الإصلاحي والذي قدمه لرئيس الحكومة (د. حيدر العبادي)، وكان الصدر جادًا في تنفيذ ورقة الإصلاحات من قبل الحكومة وذلك من خلال تواجده في ساحة التحرير ليشرف على قيادة التظاهرة المليونية حتى لا تسوف العملية الإصلاحية من قبل الحكومة أو وقوف بعض الكتل السياسية بالضد من تطبيق الإصلاحات، لأن وجود الصدر في التظاهر والنزول مع الشعب إلى الشارع يمثل مصدر ضغط للحكومة ولجميع الرافضين للإصلاح. إن هناك عناصر قوة يمكن تلمسها في المشروع الإصلاحي للسيد مقتدى الصدر، وهذه العناصر تارة تكمن في المشروع نفسه، وتارة تكمن بشخص السيد مقتدى وما يطرحه من مشاريع للدولة العراقية، ومن أهم تلك العناصر: الرؤية الوطنية للمشروع بعيدًا عن كل المؤثرات الخارجية. تكاملية المشروع ومقبوليته عند بعض الأطراف السياسية. مشروع مدني عابر للطائفة، والدين، والحزبية، والولاءات الضيقة. دعم المرجعية الدينية المساندة لدعوات السيد مقتدى الصدر، ولاسيما بعد تقرب الأخير من خط المرجعية، المتمثل بالخط الوطني العراقي الرافض للتدخلات الإقليمية والدولية. القاعدة الجماهيرية الواسعة للمشروع. الانفتاح الكبير للسيد مقتدى الصدر على كل أبناء مكونات الشعب العراقي، والمطالبة بحقوقهم. الدعم الواضح للمؤسسة العسكرية العراقية، وضرورة حصر السلاح بيدها لكونها المؤسسة الرسمية للبلد. دمج الحشد الشعبي والعناصر المنضبطة داخل المؤسسة العسكرية، وإبعاد الفصائل أو المليشيات التي تحمل أجندة سياسية سواء أكانت داخلية أم خارجية، غير الراغبة في الاندماج ضمن المؤسسة العسكرية. التأكيد على حرية السيد رئيس الوزراء في اختياره للكابينة الوزارية وتحمله المسئولية فيما بعد. التأكد على الوقت، ومن ثم انتظار النتائج، وهذا سيكون أداة ضغط كبيرة على رئيس الحكومة. ففي يوم 11/3/2016، كشف المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء د.حيدر العبادي عن نص وثيقة الإصلاحات الشاملة والتعديل الوزاري التي أرسلت إلى الكتل السياسية، وقد شملت الوثيقة خارطة طريق تفصيلية للمرحلة المقبلة ومعايير اختيار مجلس وزراء "تكنوقراط" وتقييم أداء الوزارات ومكافحة الفساد وتبسيط الإجراءات والبرنامج الحكومي وحزم الإصلاحات في مختلف القطاعات، وشملت الوثيقة أيضًا خارطة طريق تفصيلية للمرحلة المقبلة في جميع جوانب العمل (التنفيذي والأمني والإداري والاقتصادي والرقابي والتشريعي). وفي 18/3/2016 دعا السيد مقتدى إلى اعتصام إمام أبواب المنطقة الخضراء، كما أعلن عن اختيار اللجنة التي شكلها برئاسة الشيخ (سامي عزارة ال معجون) وعضوية مجموعة من المفكرين والأكاديميين والسياسيين وبعض الناشطين المدنيين، ما يقارب من 90 شخصًا كلهم من اللون الأكاديمي وأساتذة الجامعات لمواقع قيادية في الدولة من وزير إلى مدير عام، كما أن لهذا الإعلان سبقه بيان عن الأسس الرئيسة للإصلاح التي تشبه في نقاطها العامة برنامجًا حكوميًا، مما يعني عمليًا (حكومة وبرنامج حكومي). إن التقاطع الأبرز واختلاف وجهات النظر داخل التحالف الوطني هو المعرقل الأكبر لعملية الإصلاح السياسي ولاسيما أن حزب رئيس الوزراء ربما يعد العائق الأكبر أمام إصلاحاته السياسية، والسبب في ذلك إن إخراج (العبادي) من حزب الدعوة، وحتى من ائتلاف دولة القانون بشكل طوعي أو من خلال إغرائه ليكون على رأس كتلة نيابية تحت شعار (عابر للطائفية) يبين بذلك إنهاء هيمنة حزب الدعوة على منصب رئيس الوزراء، وحال خروج منصب رئيس الوزراء من الدعوة سوف يتعرض الحزب إلى انتكاسات خطيرة جداَ وسوف يصبح هناك عزوف كبير وسيعيش قادته في غربة سياسية واجتماعية لأنهم لم يجددوا الحزب ولم يسمحوا بصعود دماء جديدة، وبالتالي ربما يتعرض قادة الحزب للكثير من المضايقات والمخاطر بسبب قيادة حزب الدعوة للدولة العراقية بعد سقوط نظام صدام ولأكثر من 13 سنوات، وبالتالي باتت قيادات حزب الدعوة تقود معركة حياة أو موت. فضلًا عن مواقف وتداعيات خطيرة تنذر على انهيار مستقبل العملية السياسية في العراق، مما سيجعل العراق ساحة صراع لتقاسم النفوذ بين الدول الإقليمية والعالمية، فضلًا عن الصراع الحزبي والسياسي الداخلي بين القوى السياسية نفسها على مكاسب سلطوية في كل إقليم. إذًا هناك نتائج عكسية ربما تترتب على التراخي والمماطلة في عملية الإصلاح والتغيرات في الكابينة الوزارية، هذه النتائج تنذر بتداعيات خطيرة تهدد مستقبل العملية السياسية والنظام السياسي العراقي، وعليه لابد لصانع القرار العراقي والقوى السياسية أن يدركوا هذه التداعيات وآثارها السلبية وأن يحتكموا إلى لغة العقل في إدارة الدولة وإلى إرادة الشعب لأن الشعب مصدر السلطات، وهو من يطالب بعملية الإصلاح الشامل ومصر عليها، ولاسيما بعد تصاعد الاحتجاجات الشعبية، وربما تصاحب هذه الاحتجاجات ردود فعل عكسية تكون نتائجها خطيرة جدًا. ولهذا هناك خياران أمما السيد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، إما التنحي والإعلان عن عدم مقدرته على الإصلاح مبينًا معوقات الإصلاح على الشعب العراقي ومن يقف في طريق الإصلاح، أو المضي في طريق الإصلاح الشامل لبنية الدولة العراقية بطريقة واضحة ومرسومة بعيدًا عن التوافقات السياسية والمحاصصة، ومستندًا إلى صلاحياته الدستورية وتفويضه الشعبي، وإلى مستجدات وضرورة المرحلة، ومتجردًا من حزبه لأن السيد العبادي مازال يحظى بمقبولية لدى الكثيرين من أبناء الشعب العراقي. أن وجود السيد مقتدى الصدر داخل المنطقة الخضراء هو آخر ورقات الضغط على النخبة السياسية الفاسدة وهنا لابد أن نقف امام كلمات الصدر التي طالب فيها بعد الاعتداء على قوات الجيش والشرطة التي تحمي المنطقة الخضراء وطالب المعتصمين بالحذر من المندسين وأكد على سلمية الاعتصام، كلها نقاط تضع الصدر امام التاريخ مرة أخرى فموسى الصدر( رجل الدين اللبناني ) فعلها قبله في سبعينيات القرن الماضي للضغط على الساسة في لبنان لتشكيل حكومة وحدة وطنية ونجح في ذلك، فهل سينجح (صدر ) العراق كما نجح صدر ( لبنان ) ؟