أثني الله تبارك وتعالي علي الذين ينفقون أموالهم في طاعة الله, ولا يتبعونها بما ينقصها ويفسدها من المن, ووعدهم بأنه سيوفيهم أجرهم, ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون, فقال تعالي: االذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذي لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون* قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعهآ أذي والله غني حليم. وقد يعرض لعمل الإنسان ما يحول بينه وبين الثواب, ومن أعظم ذلك إذا تحدث الإنسان عن عطيته وأتبعها بالمن والأذي, فهذا محبط للعمل, مبطل للصدقة, يحول بينه وبين الثواب. يقول الدكتور عبد التواب محمد عثمان بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنين بجامعة الأزهر بالقاهرة, قال تعالي: ايا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذي كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون علي شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرينب. ومعني المن: تعداد النعمة علي المنعم عليه, فيقول له: ألا تذكر يوم كذا أعطيتك كذا, وأحسنت إليك بكذا. والأذي: كل ما يؤذي الشخص من القول, أو الفعل, أو التصرف. وأخبر تعالي أن رد السائل بالتي هي أحسن والصفح عن إلحاحه خير عند الله وأفضل من إعطائه ثم إيذائه أو تعييره بذل السؤال; فقال تعالي: قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذي والله غني حليم. والمن كبيرة من كبائر الذنوب; لما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه, والمرأة المترجلة تتشبه بالرجال, والديوث. وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه, والمدمن الخمر, والمنان بما أعطي. والمن بالعطاء يبطل ثوابه, ويوجب الضغينة بين الأفراد. وقد عاقب الله تعالي من يتبع صدقته بالمن والأذي بعقوبات كثيرة أهمها عقوبتان: الأولي خسارة ماله, لأنه أنقص ماله بالفعل; لأن الله لن يعوض عليه; لأنه أتبع الصدقة بما يبطلها من المن والأذي, والخسارة الأخري هي الحرمان من الثواب, لأن الله تعالي لن يجيزه علي عطائه مع المن والأذي. ويشير الدكتور عبد التواب إلي أن الإنسان الذي يريد أن يصنع معروفا في إنسان يجب عليه أن يستره, ولا يجاهر بمعروفه أمام الناس. إن من يمن بمعروفه وإحسانه لغيره كمن يبني بيتا ثم يهدمه, أو كمن يغزل غزلا ثم ينقضه فعلي التاجر ألا يمن بما قدم لغيره, وعلي الوجيه ألا يمن بشفاعته وعلي كل من أسدي معروفا لأحد ألا يمن بذلك فإن المن له مرارة وغصة يتجرعها المستفيد من ذلك المعروف يتمني أنه لم ينتفع من المان فالمن صفة دنيئة وخلق سيئ ينافي صفة الكرم والجود ومن كانت فيه خصلة المن فليجاهد نفسه بمدافعتها ما استطاع. ومن عجائب صور المن أن يمن الإنسان بأمر يعتبر في حقه من الحقوق الواجبة عليه, مثل: من الزوج علي زوجته إذا أحسن عشرتها, أو الزوجة علي زوجها إذا أطاعته, أو من الأبناء علي الوالدين إذا قاموا ببرهم, وغير ذلك من الحقوق والواجبات بين الناس. وكما يكون المن بالعطية يكون بغيرها كذلك, قال الله تعالي: يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين. وعلي المسلم أن يحتسب الأجر من الله فيما يصنع من معروف ولا ينتظر شكرا ولا جزاء من أحد من البشر وليخلص لله في ذلك, فلا يعمل معروفا طلبا للرياء والسمعة أو حبا لثناء الناس عليه في المجالس فإن من علامات الإخلاص أن يكره المرء ذكر أعماله الخيرة في الناس. ويقول الدكتور صبحي عبدالسلام من علماء الأوقاف تصدر عن البعض, أفعال غير سليمة ويمكن القول إن لهذه الأفعال تأثيرا سلبيا في المعاملات بين الناس. وتولد إحساسا بالمرارة تجاه من يفعل ذلك, ومن ضمن هذه الأفعال: المن علي الآخرين بفعل المعروف وبذل الخير. قد نهي الله عز وجل عن المن بالكلام علي الناس أو إشعارهم بهذا العمل عند التصدق عليهم, وأورد العديد من الآيات التي تنهي وتحذر المتمادين فيها, كما خاطب نبيه صلي الله عليه وسلم وأوصاه في سورة المدثر بالابتعاد عن المن والاستكثار منه, فقال سبحانه: يا أيها المدثر قم فأنذر, وربك فكبر, وثيابك فطهر, والرجز فاهجر, ولا تمنن تستكثر, ويفسر الحسن البصري معني لا تمنن تستكثر أي لا تمنن بعملك علي ربك تستكثره. وفي سورة الحجرات يتحدث عن الأعراب فيقول: يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين. وإذا كان المن يرتبط معظمه بالإنفاق والتصدق وفعل الخير فإن طلب الثواب من الله أفضل من طلب الاعتراف بالفضل من الذي أسدي إليه المعروف, فالثواب المطلوب من الناس لا يزيد علي كلمتين للمديح فقط, وإنما الثواب الدائم فلا يرجي إلا من الله عز وجل. فيقول سبحانه: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء, وقال تعالي: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه. ونأتي إلي التحذير القرآني من عملية المن فيقول عز وجل: يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذي كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون علي شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين.