يدخل الأهالي من الأبواب العتيقة للمسجد الكبير يشعر كل منهم بروحه تحلق وتسمو يحكي بعدها عن الأنوار والروحانيات والتصالح مع النفس.. وتتعاقب الأجيال جيل وراء الآخر ويبقي مسجد الحاج حسن بعبقه التاريخي والديني الذي يمتد إلي مئات السنين حاملا ذكريات الأجداد والآباء في أسوان, فمسجد الحاج حسن الذي يتوسط قلب المدينة هو المسجد الجامع العمري الذي يعود تاريخه إلي عام313 هجرية, حيث كان هو المسجد الذي يربط بين جموع المسلمين قديما للتشاور في الأمر وكذا للدعوة وتعليم أسس الدين الصحيحة. ويعود تأسيس هذا المسجد إلي بداية القرن الرابع الهجري عندما جاء الشيخ حسن بن عبد الله بن إبراهيم المغربي الأصل وأحد تلامذة ومريدي سيدي أبو الحسن الشاذلي إلي أسوان حاملا معه لواء الدعوة في جنوب مصر, وبعدما جاب الحاج حسن وهكذا يطلق عليه العامة في أسوان أنحاء المدينة كلها, وقع اختياره علي أن يستقر في منطقة القيصرية, حيث استقبله الأهالي وقتها بالورود والدفوف فنالوا منه الدعاء بالبركة في الرزق بإذن الله لتصبح منطقة القيصرية هذه هي أشهر أسواق المدينة في جميع أصناف التجارة, واللافت للنظر أن هذه المنطقة التي تتوسط المدينة تضم العديد من الأضرحة والعلامات الدينية الصوفية ومنها أضرحة وعلامات سيدي الحارث وسيدي عبد القادر الجيلاني وسيدي القطبي وسيدي الشيخ صالح وسيدي علي المغربي, مما يرفع من قيمتها الروحانية التي يشعر بها كا من زارها. ولأن الاحتفال بشهر رمضان المعظم في أسوان له طقوس دينية موروثة عبر تاريخ طويل, لا يزال الأهالي علي عاداتهم وتقاليدهم طوال أيامه المباركة, فأبناء أسوان شانهم شأن معظم المصريين يرتبطون روحانيا بآل البيت وأولياء الله الصالحين, لذا تجدهم حريصون دائما علي الاحتفال بشهر الصوم في ظل هذه الروحانيات, ويقول حسين الشاذلي أحد قدامي مريدي هذا المسجد أن في كل مدينة أسوانية يوجد مسجد تتعلق به القلوب وتهفو إليه الأرواح, ففي إدفو ودراو يوجد المسجدين العمريين وساحتي الشيخ العربي والأدارسة وفي قرية الكوبانية مسجد أبو اليزيد البسطامي, وفي مدينة أسوان مسجد وضريح مولانا فضيلة الشيخ ماهر خالد ومسجد الحاج حسن الذي كان ملتقي الصحابة أثناء الفتح الإسلامي للمدينة, ويشير إلي أنه ولوقت قريب كان المسجد العتيق يتميز بعمارته الإسلامية القديمة التي تضم المشربيات والمزاول والمئذنة الشهيرة قبل أن يتطور منذ20 عاما, ولكن يبقي مقام الشيخ حسن شامخا خلف المسجد, مستقبلا المحبين.. حيث يحرص علي زيارته آلاف المريدين من شتي محافظات مصر للتبرك به والوفاء بنذور قطعوها علي أنفسهم خاصة في شهر رمضان الكريم الذي يكون له مذاق ديني خاص في منطقة المسجد العتيق, ويضيف بأن ما من عابر للسبيل أو صائم إلا ويجد إفطاره في محيط المسجد من خلال موائد الرحمن التي يشارك في تجهيزها الكبار والشباب وحتي الأطفال, حيث يؤدي الصائمون صلاة المغرب أولا وبعدها يتناولون الإفطار انتظارا لأداء صلاتي العشاء والتراويح التي يوزع فيها رواد المسجد الحلوي والمشروبات كالقرفة والينسون. ويتحدث جمال عجاج من المريدين قائلا: لا نزال نحن أبناء المنطقة نتذكر عبق هذا المسجد وتوافد العلماء الكبار عليه حتي أصبح هو المسجد الرسمي للاحتفالات والمناسبات الدينية, فمن من الكبار ينسي أشهر مؤذني المسجد الشيخ عشماوي ذو الصوت العذب المتميز ومن ينسي عمارة المسجد القديمة منذ مئات السنين, ويضيف بأن الاحتفالات الدينية في محيط المسجد تبدأ في العشرة الأواخر من شهر شعبان بالاحتفال بمولد الحاج حسن وتمتد إلي رمضان بالزينات والندوات الدينية واستقبال ضيوف المسجد الذين يحرصون علي أداء الصلوات وخاصة التراويح فلا يكون هناك موضع لقدم مما يضطر تجار المنطقة لافتراش محيط المسجد لاستيعاب المصلين. ويقول محمود خلف أحد مريدي الشيخ حسن إن مراسم الاستعداد بقدوم الشهر الكريم تبدأ بإقامة ثلاث ليال متواصلة من المديح والتواشيح يشارك فيها كبار المنشدين بالصعيد..وتعتبر ليلة الرؤية هي بداية الاحتفال الرسمي, حيث يحرص تجار المنطقة الذين يحيطون بالمسجد ويعملون في تجارة العطور والبخور والمسابح والجلابيب الفاخرة وغيرها من أنواع التجارة علي تعليق الزينات والفوانيس الملونة والمضيئة لتضفي جوا من البهجة والسعادة عليها, وأضاف قائلا: تتجلي المشاركة الموروثة منذ القدم في الإعداد لموائد الرحمن التي تحيط بالمسجد بمساهمة القادرين كل يوم, ويشير إلي حرص المئات من أبناء المدينة وغيرهم علي بدء اليوم الرمضاني بأداء صلاة الفجر داخل المسجد العتيق وتكون فترة ما بعد العصر هي الفترة الدينية المفتوحة التي تجمع كبار علماء الأزهر والأوقاف بالصائمين في حلقات نقاشية حتي قبل أذان المغرب حيث تتوجه الأنظار إلي صوت المؤذن انتظارا للإفطار, وبعدها يتجمع الآلاف لأداء صلاة العشاء والتراويح وهكذا ننتظر يوم جديد يبدأ بتهاليل الفجر التي يعلن خلالها المهلل عن بدء الصوم بجملته الشهيرة الموروثة وهي اختموا علي الصيام.. اختموا علي الصيام يا صائمون.. اختموا علي الصيام يا أمة خير الأنام.. فما أجمل أن تصوم وتفطر وتصلي في حضرة مسجد الحاج حسن في أسوان.