من أكثر ما أثار صدمة في كلمات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لقائه مع ممثلي مدرسة فلوريدا المنكوبة, الذين كان منهم مدرسون وتلامذة وأولياء أمور فقدوا أبناءهم في المذبحة التي جرت مؤخرا,هو الحل الذي اقترحه. ففي رأي الرئيس الأمريكي الحل لوقف المزيد من إراقة الدماء في المدارس هو تسليح المدرسين!! لم يلتفت الرئيس الأمريكي إلي صياح الطلبة الذين رأوا أصدقاءهم يقتلون أمام أعينهم, ومشاعر الخوف من أن يكونوا هم الضحايا في المرة المقبلة; ولم يلتفت الرئيس الأمريكي إلي والد إحدي الضحايا وهو يصيح في غضب أن ابنته لم تأت معهم في هذا اللقاء لأنها في المدافن, المكان الذي لن يراها بعد الآن إلا هناك; لم يلتفت إلا إلي مطالب شركات السلاح التي أسهمت ماديا في حملته الانتخابية بدعم حمل السلاح, وبدلا من أن يعلن إقرار قانون يحد من بيع السلاح, أعلن أنه سوف يسمح للمدرسين بحمل السلاح في المدارس. أي أنه وعد بالمزيد من بيع الأسلحة, وليس الحد منها. لقد شهدت الولاياتالمتحدة في الثلاثين سنة الماضية تزايدا كبيرا في حوادث الاعتداء المسلح خاصة في المدارس, راح ضحيته العشرات من الشباب الصغير الذي لن يكبر أبدا ولن يعيش حياته الطبيعية لأن المادة الثانية في الدستور الأمريكي تعطي الحق للمواطن الأمريكي بشراء وحمل السلاح. لم تكن مذبحة فلوريدا في14 فبراير الجاري وراح ضحيتها17 فتاة وصبيا ومدرسا, هي أكثر الحوادث بشاعة, فقد شهدت مدارس الولاياتالمتحدة18 حادث اعتداء مسلحا منذ بداية العام الجاري; والعشرات منذ عام1999, العام الذي شهد مذبحة بمدرسة كولومبين فتحولت إلي أسطورة حيث قام اثنان من طلابها لا يتعدي عمرهما الثمانية عشر عاما, بقتل13 شخصا وإصابة24 آخرين, ثم انتحرا;منذ ذلك الحين تتكرر تلك الحوادث ليصل عدد الاعتداءات المماثلة21 حادثا راح ضحيتها89 شخصا, وأصيب فيها126 آخرون, وانتحر9 من المعتدين. وكأن حادث كولومبين كان بمثابة العدوي التي انتشرت في المجتمع بالرغم من كل التحذيرات. يقول أعضاء لوبي السلاح إن السلاح لا يقتل, الإنسان هو الذي يقتل. ولكن ما يحدث هو أن صناع ألعاب الأطفال يصنعون ألعاب الفيديو التي تشجع الأطفال علي القتل والاستمتاع بالقتل; ثم يقوم لوبي السلاح بوضع سلاح حقيقي في أيدي هؤلاء الأطفال فتتحول الألعاب إلي حقيقة. أما الأرباح من هذا ومن ذاك فتعود دائما إلي أصحاب المليارات. والآن تستعد مدارس وتلاميذ الولاياتالمتحدة لتنظيم مظاهرة ضخمة في الشهر المقبل للضغط علي الرئيس وأعضاء الكونجرس الأمريكيين لاتخاذ خطوة إيجابية لإنقاذهم من الخوف وعدم الأمان, ومن أجل استعادة الثقة في أن يكون لهم مستقبل في الحياة. ولكن المشكلة هي أن كل رئيس وكل عضو كونجرس لا يملك أن ينحاز الي القلب,لأنه سوف يواجه غضب صناع السلاح العارم والذي سوف يظهر في سحب الدعم عن كل شرايين الحياة في الإدارة الأمريكية. إن ما تحتاجه الولاياتالمتحدة هو قلب شجاع وعقل مستنير.