هل يجب علي البائع أن يبين عيوب سلعته عند العقد؟ أم أن اكتشاف العيوب يكون من مهام المشتري؟ وهل إذا اكتشف المشتري عيوبا في السلعة يكون من حقه الفسخ؟ البيع من المعاملات المباحة شرعا والتي يتوصل بها إلي أعيان وذوات ما في أيدي الناس عن طريق المعاوضة المشروعة فهو معاوضة مال بمال, وينعقد هو وغيره من العقود بالإيجاب والقبول بين عاقدين في مكان واحد, كما تنعقد جل العقود بين من كانا في مكانين مختلفين إذا تم الإيجاب والقبول عن طريق وسائل الاتصال الحديثة وهو مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة, قال تعالي الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهي فله ما سلف وأمره إلي الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون(275) البقرة, وقال( صلي الله عليه وسلم) إنما البيع عن تراض. واشتري( صلي الله عليه وسلم) من جابر جمله وأجمعت الأمة علي مشروعيته, لأنه قد تتعلق حاجة الإنسان بما في يد الغير, وصاحب الشيء لايبذله للغير في الغالب إلا بمقابل ففي مشروعية البيع وسيلة إلي بلوغ الغرض من غير حرج. ولقد عنون الإمام مسلم في صحيحه: باب: الصدق في البيع والبيان, وروي تحت هذا العنوان حديثا عن حكيم بن حزام عن النبي( صلي الله عليه وسلم) قال: البيعان بالخيار مالم يفترقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما, وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما يؤخذ من هذا الحديث أنه يجب علي كل واحد من المتبايعين أن يبين لصاحبه ما يحتاج إلي بيان من عيب ونحوه في السلعة والثمن وإلا محقت بركة بيعهما وهي زيادته ونماؤه, ومما يدل علي تحريم كتمان العيب من البائع علي المشتري ما رواه عقبة بن عامر قال: سمعت النبي( صلي الله عليه وسلم) يقول: المسلم أخو المسلم لايحل لمسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بينه له. رواه ابن ماجة. وعن وائلة قال: قال رسول الله( صلي الله عليه وسلم): لا يحل لأحد أن يبيع شيئا إلا بين مافيه, ولا يحل لأحد يعلم ذلك إلا بينه. رواه أحمد: وعن أبي هريرة أن النبي( صلي الله عليه وسلم) مر برجل يبيع طعاما فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول, فقال: من غشنا فليس منا. رواه الجماعة إلا البخاري. وغير ذلك من الأحاديث التي تدل علي أن البائع أو المشتري الذي يعلم العيب في سلعته ولا يبينه للطرف الآخر ليس ممن اهتدي بهدي رسول الله( صلي الله عليه وسلم), ولا اقتدي بعلمه وعمله وحسن طريقته, وهي تدل كذلك علي تحريم كتمان العيب ووجوب تبيينه للمشتري وهذا يسمي في الشريعة أحكاما ابتدائية أو احترازية اي لا تفعل أيها المسلم ذلك وتخفي عيوب سلعتك وتغش أخاك المسلم أو غير المسلم, وإلا فان وقع ذلك فشريعة الإسلام لم تترك شيئا بل وضعت الحل الأمثل فيما يسمي بخيار العيب أي خيار الرد بسبب العيب ووضعت لهذا العيب الذي يثبت به خيار الرد ضابطا أو معيارا حتي لايتعسف طرف علي آخر باستعمال هذا الحق فيشترط في هذا العيب الذي يثبت به الخيار ألا يعلم به المشتري وقت العقد ويرضي به أي أن يكون قديما وأن يكون لهذا العيب تأثير في الثمن, أي أن المشتري لو علم به عند العقد أو قبله ما أقبل علي البيع, أو الشراء بهذا الثمن أو أن يفوت العيب غرضا شرعيا للمشتري كمن يشتري خفا فيجد به خرقا نعم هو لا يؤثر في الثمن ولكن لا يصح المسح عليه... إذا حدث ذلك من حق المشتري أن يرد المبيع ويأخذ الثمن الذي دفعه أي له حق الفسخ أو لا يرده ولكنه يأخذ ما يسمي بأرش العيب أي يأخذ ما ينقص هذا العيب من قيمة السلعة فتقوم صحيحة سليمة, وتقوم معيبة ويأخذ الفرق بينهما. وهذا في رأي, وفي رأي آخر وصف بأنه الأقرب نظرا: بأن المشتري بالخيار بين أمرين: 1) أن يردها ويأخذ الثمن الذي دفعه.2) أو إمساكها بالثمن الذي اشتراها قياسا علي المصراة والمصراة: من صري يصري كرمي يرمي بمعني: جمع, والمصراة: هي التي تجمع أخلافها ولا تحلب أياما حتي يجتمع اللبن في ضرعها, فيخدع بذلك المشتري وهذا حذرا من أن يلزم البائع بما لم يرض به فهو لم يرض بإخراج سلعته من يده إلا بالثمن الذي أخذه. والله أعلي وأعلم