ست سنوات تمر اليوم علي وفاة محمد مستجاب, وان كان مثله لايحتاج مناسبة للحديث عنه, كما أنه أصلا لم يمت, أطال الله بقاءه عبر مقالاته وابداعه وكتبه. محمد مستجاب ابن ديروط محافظة اسيوط, والذي ظل يرتدي الجلباب حتي رحل وهو في السابعة والستين, حتي بعد ترجمة أعماله الي عدة لغات, وبعد أن أصبحت زاويته في مجلة العربي(واحة العربي) وجبة أساسية علي مائدة القاريء العربي من المحيط الي الخليج. معاناة طويلة عاشها محمد مستجاب, لم يكمل تعليمه, قال لي مرة انه حصل علي الابتدائية واكتفي, وقال لي مرة أخري انه حصل علي الثانوية العامة واكتفي, فذكرته بقصة الابتدائية, فسألني: هي تفرق؟ المهم أنني اكتفيت من التعليم بأولياته, عمل في السد العالي, ونام علي الأرض, وشقي وتعب, ثم نزح الي القاهرة, وقليلا قليلا بدأ الاعتراف به, وان لم يكن اعترافا كاملا أبدا. له رواية وحيدة هيالتاريخ السري لنعمان عبد الحفيظ صدرت وهو يقترب من الخمسين, لكنها أحدثت دويا حتي لدي هؤلاء الذين ادعوا أنهم لم يتأثروا بها, كانت رواية غير عادية, بها قدر من السخرية غير معهود في الأعمال الأدبية المصرية, طول عمرنا نعرف أن الأدب جاد, نجيب محفوظ, طه حسين, العقاد, أما السخرية فهي من شيم الصحافة, قد تكون ظريفة كما هو الحال عند أحمد رجب ومحمود السعدني ومن لف لفهما, لكنها بالطبع لاترقي لمرتبة الأدب, لكن مستجاب فعلها. السخرية فينعمان عبد الحافظ ليست سمتا, ولاصفة, ولاطابعا, وانما سلاح العاجز, والسخرية تتجاوز حدود الافيه اللفظي وانما تمتد بطول الرواية وعرضها من الجلدة للجلدة كما يقولون, وذلك دون الاخلال ببنية الدراما, ولاكونها رواية انسانية متميزة. وأصدر مستجاب عدة مجموعات قصصية, وأصبح عضوا بمجمع اللغة العربية, وحصل علي جائزة الدولة التشجيعية, وترجمت أعماله لعدة لغات, ومع ذلك فاننا نري أنه لم يكن كافيا. ونذكر هنا مثالا للدلالة علي هذا, قبل سنوات كتب أحمد رجب في نص كلمة أن الصدر الأعظم هو اسم لوظيفة في الدولة العثمانية, وهو صدر هيفاء وهبي, وتناقلت الدنيا هذا الافيه حتي أن جريدة يومية كبري أعادت نشره في صفحتها الأخيرة, وعندما كتبت منبها الي أن هذا الافيه كتبه محمد مستجاب قبل عشرين سنة في مجلة العربي الكويتية( وكان لمارلين مونرو علي ماأذكر) لم يجد هذا التصحيح صدي, وعندما تساءلت قيل: انه عادي ومبتذل؟ دون أن يجيبوا: لماذا اذن كان الاحتفاء به وهو منسوب لرجب؟ قبل وفاته أصدر مستجاب عملين هما: انه الرابع من آل مستجاب, والحزن يميل للممازحة غير أنهما كانا حالة خاصة أقرب من كونهما روايتين, ولمستجاب ابن اسمه محمد مستجاب أيضا, والطريف ان الابن لم يرث عن أبيه اسمه وفقط, وانما اسلوبه في الكتابة, لكن شيئا ما في كتابات والده يظل مفتقدا حتي اذا كنت لاتعرف ماهو, ليبقي محمد مستجاب راوي التاريخ السري لنعمان عبد الحافظ هو مستجاب الأوحد.