التخطيط المغرض مضمون الفشل في كثير جدا من الأحيان. ولذلك فإن النصيحة تقول: لا تضع خطة كبري مغرضة. فالفشل في مثل تلك الحالة وخيم العواقب. وقد كانت خطة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش لغزو أفغانستان مغرضة, وبالتالي كانت وبالا علي بلاده: من بدايتها إلي قرب نهايتها الآن- بعد الغزو بعشر سنوات. والحقيقة أن خطة غزو أفغانستان لم تكن خطة قائمة بذاتها, بل كانت جزءا من خطة كبري كان الهدف منها غزو العالم العربي والإسلامي وإخضاعه للحكم المباشر من واشنطن, علي أن تتلقي الأوامر والتعليمات وتصدر القرارات حكومات محلية جري إعدادها سلفا في مكاتب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. والحقيقة أيضا أن خطة غزو أفغانستان كانت جزءا محوريا من الخطة الكبري( التي لم تعلن بطبيعة الحال لكن دلائلها كانت شديدة الوضوح منذ طلقة البداية ومع توالي الأحداث) وظهرت أهمية خطة غزو أفغانستان ضمن الخطة الكبري في أمرين: الأول أنها الجزء من الخطة الكبري الذي لم يكن عليه اعتراض كبير في العالم, باعتبار أن الغزو رد علي عملية الحادي عشر من سبتمبر عام2001 التي قتل فيها بضعة ألوف من الأمريكيين وغيرهم في هجوم تنظيم القاعدة علي برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومقر وزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن. والبرجان والبنتاجون هما بالتأكيد رمزان للقوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية. بل إن الولاياتالمتحدة وجدت بسهولة شركاء لها في الغزو من الحلفاء الأوروبيين والآسيويين والأستراليين. كما استطاعت إقناع روسيا بالغزو, وإن كانت الأخيرة رحبت به ترجيحا لأن تصبح أفغانستان مستنقعا للولايات المتحدة, بعد أن كانت أفغانستان في الثمانينيات مقبرة لجنود الاتحاد السوفيتي الذي كانت روسيا كبري جمهورياته. الأمر الثاني: أن أفغانستان كانت- بعد غزوها- فك الكماشة الأول لقضم إيران. وكان فك الكماشة الثاني آتيا علي الطريق ولم يكن قد صدر بذلك إعلان وهو غزو العراق. فقد كان يلزم لغزو إيران حرمانها من عمقها الاستراتيجي المتمثل في إقليم هرات بشمال غرب أفغانستان. ولأن فك الكماشة العراقي تحطم تقريبا بإنهاء خطط الاحتلال الأمريكي للعراق تحت ضربات المقاومة فإنه لم يعد لفك الكماشة الأفغاني أهمية في مجال غزو مات فعلا- لإيران. ومن الطبيعي أن إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما المطول عن سحب عشرات الألوف من الجنود الأمريكيين من أفغانستان خلال الشهور المقبلة لم يرد فيه اسم إيران. فالخطة الكبري التي وضعها بوش والمحافظون في إدارته الأولي, لم تعترف أمريكا بوجودها لأنها كخطة متكاملة مرفوضة من وجهة نظر القانون الدولي باعتبارها عدوانا واحتلالا ونهبا مباشرا لثروات دول أخري. بل إن الولاياتالمتحدة تعبت كثيرا في الدفاع عن خطتها كأجزاء, وكان ذلك واضحا في الإدانة العالمية لغزو العراق الذي انطلق بعد نحو عامين من غزو أفغانستان. والحقيقة أن إيران حاربت الولاياتالمتحدة علي الجبهتين الأفغانية والعراقية في وقت واحد. فطول الوقت كان الألوف من الجنود الإيرانيين يحتشدون علي الحدود مع أفغانستان, وقد دافعوا ضد كل الشرور التي كان منتظرا تسربها إليها بما في ذلك المخدرات. وقد لقي بالفعل مئات الجنود الإيرانيين مصرعهم في معارك مع المهربين. وفي نفس الوقت حافظت إيران علي نفوذ قوي في إقليم هرات, وأنفقت خلال السنوات الماضية نحو660 مليون دولار مساعدات تنمية في الإقليم. وغير خاف أن إيران ساعدت المقاومة العراقية- السنية والشيعية علي السواء. والغريب أن أوباما يقول في كلمته عن الانسحاب من أفغانستان إنه انسحاب من مركز قوة, وإنه نصر لكل من حاربوا هناك منذ11 سبتمبر.2001 لكن هذا ليس بغريب علي كل حال, فليس من شأن أوباما أن يكشف للعالم ما خفي من أوراق الخطة الأمريكية الكبري التي مزقتها دماء الشهداء في العراق وأفغانستان.