أعلن الرئيس الأمريكي يوم الاثنين الماضي عن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي, وتضمنت3 تهديدات رئيسية علي أمن الولاياتالمتحدة, وهي طموحات روسياوالصين والدولتان المارقتان إيرانوكوريا الشمالية, والجماعات الإرهابية الدولية الهادفة إلي ارتكاب أعمال عدوانية ضد الولاياتالمتحدة. سعي الرئيس دونالد ترامب إلي كسب الرأي العام الأمريكي بعبارات براقة مثل أمريكا أولا والتضخيم من حجم المخاطر التي تواجهها الولاياتالمتحدة في الخارج والداخل, ولعب ترامب علي إثارة الخوف من تلك المخاطر, وربط بين مساعيه إلي مزيد من القيود علي الهجرة إلي الولاياتالمتحدة وبين الإرهاب المتربص بأمريكا, ولهذا فإن الحد من الهجرة سوف يمنع من دخول الإرهاب إلي الأراضي الأمريكية. استراتيجية ترامب يمكن اعتبارها خطوة إضافية باتجاه الصدام الخارجي, الذي يتبعه منذ بداية توليه الحكم, وهو يزيد من حدة الخلافات مع كل من الصينوروسيا, ويعتبر أن طموحات الصين الإقتصادية والتطور العسكري الروسي من أهم المخاطر التي تواجه أمريكا, وهو ما اعتبرته الخارجية الروسية بأنه نزوع أمريكي استعماري, يسعي إلي تأجيج الصراعات الدولية. أما أدوات ترامب في تنفيذ استراتيجية الأمن القومي فهي استخدام القوة العسكرية, وإن كان قد حاول التخفيف من حدة اللهجة التصادمية بالقول إننا سنستخدم القوة لحماية السلام العالمي, وحرص ترامب علي وجود3 مستويات للتحديات التي ينوي مواجهتها, فالمستوي الأول هو التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها داعش والقاعدة, وإن كان ترامب يضع في القائمة كلا من الحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي العراقي وحزب الله اللبناني والمنظمات الفلسطينية المسلحة, إلا أنه استخدم التعبير الفضفاض للإرهاب الذي قال إنه في مقدمة المخاطر التي يجب أن تواصل الولاياتالمتحدة جهود القضاء عليها, وفي المستوي الثاني للتحديات تأتي كل من كوريا الشماليةوإيران بوصفهما دولتين مارقتين تسعيان إلي تطوير قدراتهما في إنتاج وتصدير أسلحة الدمار الشامل, ولهذا سوف تستخدم الولاياتالمتحدة كل قدراتها في التصدي لمخاطر الدولتين, أما الصينوروسيا فلم يكن بمقدور ترامب أن يرفع من لهجة تهديده لهما إلي حد إثارة المزيد من الأزمات, واكتفي بالتلويح بأنهما تشكلان خطرا علي النظام الدولي, وتستهدفان الانحراف به, في إشارة إلي نزوع الدولتين إلي إنهاء نظام القطب الواحد الذي يقوم علي الهيمنة الأمريكية, وتعزيز نظام دولي يقوم علي التعددية, وهو ما لا يمكن أن تقبل به الولاياتالمتحدة. المضمون التصادمي لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي ترافقت مع الإعلان عن أضخم ميزانية عسكرية في تاريخ الولاياتالمتحدة, بلغت نحو700 مليار دولار, وإعلانها عن المضي في تطوير الأسلحة النووية, وإعادة سباق التسلح في الفضاء, ونشر المزيد من منظومات الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية حول العالم. لهجة ترامب زادت من حدة النزعة التصادمية, حتي إنها وجهت تهديدات واضحة إلي كل من روسياوالصين ووضعهما في قائمة الأعداء إذا لم تبذلا جهودا ملموسة في مواجهة كل من كوريا الشماليةوإيران, لكن اللهجة كانت أشد فجاجة مع أصدقاء أمريكا الأثرياء عندما قال إن علي الدول الغنية أن تدفع ثمن حماية الولاياتالمتحدة لها, وهي لهجة متعالية تحط من شأن أصدقاء الولاياتالمتحدة, وتتعامل معها مثل قطيع يريد الراعي حمايته من الذئاب. هكذا جاءت استراتيجية ترامب للأمن القومي لتزيد من حالة عدم الاستقرار, وتحمل المزيد من مخاطر الصدام, حتي لو كان الهدف منها هو مجرد التلويح باستخدام القوة العسكرية, وكأن ترامب لم يكتف بالأزمة المتفاقمة التي أثارها بإعلان نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس, واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل, ليثير الزيد من العواصف التي يبدو أنها لن تتوقف.