انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تكرار أخطاء الإعلاميين علي الشاشات, حيث تزداد جسامة الأخطاء يوما تلو الآخر خاصة أنها تصدر من كبار الإعلاميين المفترض أن تتوافر فيهم الخبرة والوعي الكافي الذي يجعل منهم القدوة للأجيال الشابة, ولكن يبدو أن بريق السبق وسحر أضواء الشاشة أكبر من الموضوعية في طرح القضية وتجاوز المصداقية في تحري الدقة, وبات علي المشاهد والمجتمع أن يدفع فاتورة الشهرة, ويحصد الإثارة الزائفة والبلبلة, فمن واقعة مذيعة الهيروين إلي رأي إحدي الإعلاميات في استباحة دماء المصريين مسيحيين وجيشا, وما قد يستجد من أخطاء قد تظهر علي الساحة الإعلامية, وحول المقومات التي يجب توافرها في الإعلاميين وأهم المعايير للرسالة الإعلامية ورأي المختصين لما يجب أن يكون, كان هذا التحقيق: يقول الإعلامي حمدي الكنيسي نقيب الإعلاميين إن هناك معايير أساسية يجب أن تتوافر في الإعلامي بصفة عامة سواء صحفي أو إذاعي أو مقدم برامج وهي أولا الثقافة في المجال الذي يعمل به بمعني إذا كان يقدم برنامج سياسيا مثلا عليه أن يكون علي وعي كامل بالمشهد السياسي علي جميع المستويات محليا وإقليميا ودوليا وأن لا يطرح أي موضوع قبل أن يراجع معلومات وخلفية القضية من جذورها, إلي جانب ثقافته العامة الشاملة بالفن والأدب والرياضة والاقتصاد وكل مناحي الحياة, كما يجب أن يكون لديه وعي كامل بقضايا مجتمعه وهمومه وآماله ومتطلبات المرحلة ويوظف أدواته لخدمة كل قضية يطرحها. وأضاف انه علي الإعلامي أن يدرك تماما أن الرسالة الإعلامية سلاح ومسئولية بمعني أنها سلاح للدفاع عن قضايا وطنه ومسئولية من خلال رسالته التي تهدف إلي خدمة تلك القضايا وإعلاء مصلحة الوطن وليس لأهواء شخصية أو جهات معينة فلا ينزلق وراء ترديد الشائعات المغرضة أو التي ليس لها أساس من الصحة ولا يتداول معلومات ويطرحها وكأنها أمر واقع قبل تحري الدقة والمصدر. وعن دور النقابة حيال كل من يخطئ يؤكد الكنيسي: إلي جانب دور النقابة يوجد أيضا المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام وستشهد الأيام القليلة القادمة تفعيل لقوانين العقوبة ضد كل من يخطئ أو يصدر منه تجاوز فلا تهاون ونبدأ بالتحذير ثم الإنذار ثم الإيقاف وصولا إلي الشطب النهائي من النقابة وفي حالة ممارسة المهنة دون موافقة من الجهة النقابية هذا يتعرض للعقوبة الجنائية ولا تهاون علي الإطلاق. ويؤكد الكنيسي: لقد اعتذر البعض عن أخطائه وتعهد بعدم التكرار ولكن ورغم الاعتذار والإنذار لا يعني أننا تناسينا بل أصبحت موجودة ولا تعفيه علي الإطلاق إذا سولت له نفسه في حالة التكرار ولا عزاء ولا مجال لمن يخطئ الرسالة الإعلامية لها قدسيتها. ويري د.صفوت العالم أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن المشكلة الحقيقية تتلخص في أن دور الجهات المختصة يكتفي بالمتابعة لمن يخطئ ويقيم البرامج والقائمين عليها أي أنه يحاسب بعد وقوع الخطأ ولكن لماذا لا نعمل بمبدأ الوقاية خير من العلاج بمعني أننا نضع رؤية واضحة ومحددة في نقاط أساسية وتفصيلية وعلي الجميع الالتزام بها, ولكن غياب الرؤية أو تحديدها جعل البعض يأخذ لنفسه مكان ومكانة لنفسه واضعا قانونه الخاص من أجل السبق والإثارة تحت أي مسمي, مؤكدا أنه مع تفعيل قوانين العقوبة وبشكل صارم ورادع ولكن قبلها تحديد الرؤية أو بالأحري أعلنها بوضوح. ويري د.محمود خليل أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن من أهم مقومات الإعلامي أن يمتلك التكوين المهني بمعني أوضح أن يكون لديه الوعي الكامل بالمنظومة الإعلامية ومفرداتها الأساسية وهي أن ما يقدمه من رسالة إعلامية لابد أن تتوافر فيها الموضوعية الكاملة ودقتها وشفافية مصدرها ثم يأتي بعد ذلك المرحلة المهمة وهي طريقة المعالجة في طرح تلك المعلومة, محققا التوازن والحياد الكامل من خلال عرض وجهات النظر المختلفة الرأي والرأي الآخر ومناقشتها من كافة جوانبها من خلال المختصين الذي يستنير برأيهم لإنارة الرأي العام والحكم في النهاية للمتلقي وتقييمه بناء علي تحليل موضوعي ومناقشة اتسمت بالشفافية والمصداقية. ويضيف د. محمود خليل: للأسف ما نراه الآن وخاصة من كبار الإعلاميين المفترض فيهم الخبرة والثقافة والوعي وقدرتهم علي انتقاء الضيوف أو المختصين للمناقشة جعل من أنفسهم زعماء سياسيين وبدلا من أن يكون محاورا جيدا مع ضيوف تحول إلي ضيف في البرنامج بل يفرض رأيه وتحليله ووجهة نظره وفقآ لأهواء شخصية أو جهة معينة هي صاحبة القناة مثلا أو لأفراد معينة ويبتعد تماما عن دوره الأساسي في الطرح فقط والتحاور مع الضيوف فضلا عن الانتماء والوعي الكامل بمصلحة الوطن والمجتمع. ويستطرد د.محمود خليل, لقد أصبحت هذه الظاهرة سمة عامة وكل مذيع هو القاضي والحاكم والمحلل والضيف بل أن الضيوف يؤكدون وجهة نظرة الأحادية الموجهة. وأشار إلي أن آخر دراسات قمنا بها أثبتت تراجع نسبة المشاهدة لبرامج التوك شو, وأن المتلقي أصبح يلجأ للراديو أكثر من الشاشة الأزمة وهذا يؤكدان المتلقي أصبح زاهد في متابعة تلك البرامج بسبب فقدانه الإحساس بالمصداقية والشفافية وأيضا الموضوعية. ويري لاستعادة الثقة مرة أخري وللخروج من أزمة الإعلامي الذي تحول إلي زعيم سياسي ومروج للشائعات في كثير من الأحيان أن يتم تفعيل دور الجهات المعنية والتي تتمثل في المجلس الأعلي للإعلام والهيئة الوطنية للإعلام ونقابة الإعلاميين ووضع رؤية واضحة وعقوبات صارمة لكل من يخطئ وأن يرفعوا شعار الرسالة الإعلامية ليس فيها حسن النية.