إلي أي مدي من الممكن أن يقرب الصراع من أجل البقاء بين شخصين غريبين عن بعضهما تماما؟ فتصبح حياة كل منهما معتمدة علي حياة الآخر, يطرح المخرج الفلسطيني هاني أبو سعد هذا التساؤل في فيلمه الجبل بيننا من إنتاج شركة فوكس العالمية والمأخوذ عن رواية.. ويمثل أول أعماله في السينما الهوليوودية بعد النجاح الكبير الذي حققه بأفلامه السابقة وأوصلته لسباقات الأوسكار مثل الجنة الآن وعمر. ويقوم ببطولة الجبل بيننا اثنان من أهم نجوم السينما وهما كيت وينسليت الحاصلة علي الأوسكار, وإدريس ألبا في أول لقاء بين النجمين, وإلي جانب عضويته في لجنة تحكيم الدورة39 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي التي انتهت فعالياتها مؤخرا, اختارت إدارة المهرجان الحبل بيننا ليكون فيلم الافتتاح واحتفت به في عرض خاص, وفي هذا الحوار يروي أبو أسعد لالأهرام المسائي عن الصعوبات التي واجهته أثناء تصوير هذا الفيلم حيث إن الأحداث بالكامل تدور في الجبال وبين الثلوج: ما هي الخطوات التي ساعدتك علي الوصول لهذه المرحلة من مسيرتك الفنية وتخرج فيلما من إنتاج شركة فوكس العالمية وبطولة النجمين كيت وينسلت وادريس ألبا؟ عندما قدمت فيلمي الجنة الآن منذ ما يقرب من12 عاما لاقي نجاحا كبيرا في العالم كله, وهوليود دائما علي هذا الحال تحاول استقطاب المخرجين الناجحين من جميع أنحاء العالم, لأن هذا جزء مهم من نجاح صناعة السينما هناك, وأمريكا بشكل عام علي هذا المنوال تستعين بالكفاءات والموهوبين في كل المجالات من أنحاء العالم, ومن جهة أخري مواهب العالم تخضع للإغراءات الأمريكية, بالتأكيد لا يخضع الكل ولدي احترام كبير لكل من يدعي للعمل هناك ولا يذهب, وبالنسبة لي لم يكن لدي ابدا الحلم بان أكون مخرجا في هوليود, ففي بداية عملي كان حلمي أن أكون مخرجا مصريا ثم أصبحت مخرجا أوروبيا, وبعد ذلك عدت لفلسطين وأخرجت أفلاما فلسطينية ومنها إلي هوليود, وأستطيع القول أن الحياة تنتقل بنا من خطوة إلي أخري بدون تخطيط, وحتي اذا وضعنا لها خطة تجذبنا لطريق اخر لم يكن في الحسبان لأن الحياة أكبر منا, علي سبيل المثال دراستي في الاساس كانت هندسة الطيران لكني أصبحت مخرجا سينمائيا, لهذا لا توجد خطوات محددة يمكنني القول أنها وصلت بي لهوليود, كل ما حدث اني قدمت فيلما أحبه الناس وصار لدي علاقات في هوليود وتطورت علاقات العمل إلي أن أصبح لدي فيلم الجبل بيننا. وهل اخترت قصة الفيلم بنفسك أم أنها اختيار شركة الإنتاج؟ في هوليود من الممكن أن تعرض الشركة علي قصة أو أن اقترح انا قصة, ولكن في هذا الفيلم عرضوا علي قصة الجبل بيننا وأعجبتني جدا لأنها دمج بين فكرة صراع البقاء وقصة حب رومانسية, وهي حالة لم أرها من قبل في السينما لهذا شعرت أنها من الممكن أن تكون تحديا كبيرا بالنسبة لي. هل ساعدتك دراستك لهندسة الطيران علي تقديم مشاهد سقوط الطائرة؟ بالتأكيد استفدت منها, خاصة وأني كنت حريصا علي أن يكون مشهد سقوط الطائرة مشهدا واقعيا جدا, صحيح أنه لا يوجد شيئا واقعيا في تصوير الأفلام لأنه من الصعب التصوير بشكل واقعي100 %, لكني حاولت ترجمة المشهد واقعيا بتقديمه كلقطة واحدة بدون تقطيع, فكان عبارة عن مشهد من لقطة واحدة5 دقائق, حتي يشعر المشاهد نفسه وكأنه مع أبطال الفيلم داخل هذه الطائرة أثناء سقوطها, لأن التقطيع معناه تغيير موقع المشاهد من جانب إلي آخر, ولكن اللقطة الواحدة تعطيه إحساس أنه جزء من الحدث, وبالتالي يشعر بلحظة سقوط الطائرة, وبالتأكيد دراسة الطيران ساعدتني علي تنفيذ ذلك. ولماذا غيرت مسارك الفني من الاهتمام بالقضية الفلسطينية في أفلامك إلي تقديم فيلما هوليوديا بتقنية عالية؟ الحياة اكبر منا, ولا اعتقد أن أي مخرج في العالم من الممكن أن يرفض تقديم فيلما جيدا بإنتاج ضخم. ولكن الفيلم في نفس الوقت يتلامس مع القضية الفلسطينية في انه يعبر عن فكرة صراع الإنسان من اجل البقاء؟ نعم هذا حقيقي, فكل أفلامي هي عن أناس عاديين جدا لكنهم يعيشون في ظروف غير عادية وصعبة, وهذا الفيلم لا يختلف عن ذلك, وإنما يتطابق مع هذه الفكرة تماما. وهل أجريت تعديلات علي الرواية الأصلية المأخوذ عنها الفيلم؟ بالتأكيد كان هناك العديد من التعديلات لعدة أسباب, أهمها أن الكاتب في العمل الادبي يستطيع أن يعبر عن أفكاره وشخصيته بالكلمات, ولكن في الأفلام تترجم الأفكار بالصورة وليس الكلام, وبالتالي لابد من إجراء تعديلات علي الرواية والأحداث لتحويلها إلي رؤية بصرية. ولماذا اخترت الكلب ليكون الشخصية الثالثة في الفيلم مع البطلين؟ وجود الكلب مقصود, وهو الشخصية الثالثة التي تعبر المستقبل, فالحيوان لديه القدرة علي رؤية الخطر قبل وقوعه لذلك الكلب يري المستقبل طوال الوقت, والمشروع ككل هو مشروع شاعري واقعي, بمعني اننا نستخدم كلمة واحدة تعبر عن مشاعر ضخمة, وكل الاختيارات كانت في إطار هذا السياق. وكيف استطعت العمل في هذه الأجواء الصعبة وسط الثلوج, وهل واجهت مشاكل في التصوير؟ بالفعل التصوير كان صعبا جدا, خاصة وان كل المشاهد الخارجية حقيقية وفي وسط الثلوج والمشاهد الداخلية قليلة, والبرد كان قاسيا جدا حيث كانت درجة الحرارة تصل في بعض الأيام إلي38 تحت الصفر, وأفضل درجة حرارة عملنا فيها كانت4 درجات تحت الصفر, وكان أمرا قاسيا جدا لأن أجسامنا كانت في حالة تشنج طوال الوقت, والآم دائمة وكأننا في معركة, وأحيانا كانت الكاميرات تتوقف عن العمل من شدة البرد, ولكن علي الرغم من كل هذه الصعوبات أري أن الفنان عندما يريد تقديم شيء صادق عليه أن يتحمل في سبيل تحقيق ذلك, وما نعانيه لن يكون مثل الخباز الذي يقف أمام نيران المخبز طوال اليوم من أجل أن يقدم لنا الخبز الذي بدونه لا نستطيع أن نعيش. أين تم تصوير الفيلم؟ صورنا في مقاطعة بكندا واستمر التصوير علي مدار45 يوما. هل الجوائز التي حققها المخرجين الفلسطينيين علي مدار السنوات الماضية غيرت نظرة العالم الغربي للقضية وأجبرته علي الاعتراف بانتمائهم للدولة الفلسطينية؟ أكيد أن الفن بشكل عام يضيف لشعبه, وربما ليست الإضافة الأساسية بنفس قدر السياسية والاقتصاد والقوة العسكرية التي لديها قدرة اكبر علي صناعة التغيير أكثر من الفنانين, اما الفنانون فهم يقومون بدورهم ولا اعرف بالضبط حجم هذا الدور لكنه دور مهم مثل حبة الرمل التي تكون الشاطيء, فنحن مثل حبة الرمل علي شاطيء صراع علي الهوية والأرض والمستقبل. كيف كان اللقاء الأول بينك وبين أبطال الفيلم النجمين إدريس ألبا وكيت وينسليت؟ وكيف كان شكل التعاون بينكم؟ كان بيننا احتراما متبادلا, ولا يجب أن ننسي أن كيت وينسليت عملت مع كبار مخرجي العالم, بدأت مع بيتر جاكسون في هيفنلي كريتشر وقبل أن تتعاون معي في هذا الفيلم كانت مع المخرج الكبير وودي ألن, وكانت متزوجة من سام منديز, لذلك فهي لديها تجربة مهمة وكلمة مع مخرجي العالم, ولم تكن لتعمل معي إلا إذا كان هناك احتراما متبادلا, فهي ليست من الممثلين الذين من الممكن أن يشاركوا في فيلم من أجل المال فقط, تحدث أزمة بين المخرج والممثل, عندما يكون الأخير لا يثق في المخرج وانضم للعمل فقط من أجل المال, وكيت ليست من هذا النوع وكذلك إدريس, لهذا كان يوجد احترام ولم يحدث أبدا أي خلاف بيننا ونفذا كل طلباتي علي أكمل وجه. حدثنا عن الشركة التي أسستها مع زوجتك لدعم المخرجين العرب؟ أنا وزوجتي أميرة دياب لدينا شغف ان نكون جزء من حركة تساعد علي تطوير مشاريع شرق أوسطية, خاصة وأن زوجتي مهتمة بقضية المرأة, ولدينا4 مشاريع في الوقت الحالي ل4 مخرجين اثنين من مصر وهما محمد دياب وعمرو سلامة واللبناني عمر نعيم والفلسطيني فراس خوري, وهي عبارة عن شركة إنتاج تعمل علي تطوير المشروع وتبحث عن ممولين لهذه المشاريع, حيث أسعي إلي نقل تجربتي الخاصة للمخرجين للاستفادة منها ولو بشكل بسيط. حدثنا عن تجربتك في لجنة تحكيم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؟ أولا من المهم جدا بالنسبة لي علي المستوي الشخصي مشاهدة السينما مع عدد من الزملاء المتميزين والمهمين في مجال السينما مثل أعضاء لجنة التحكيم هذا العام ومنهم خيري بشارة وفابيان وجاك لي ورئيس لجنة التحكيم الفنان حسين فهمي وباقي أعضاء اللجنة, خاصة وأننا كنا نجلس معا يوميا لمناقشة الأفلام, فهذه المناقشات مفيدة لاي مخرج في التعرف علي الطريقة التي يفكر بها الآخرون لان كل منا يشاهد الفيلم بطريقة مختلفة عن الآخر, بالإضافة إلي أن مهرجان القاهرة مهم جدا بالنسبة لي لأنه أول من احتضنني في بداية مسيرتي بعد مهرجان الإسماعيلية لهذا يهمني العودة إليهم دائما. وكيف تري اهتمام المهرجان ومصر بالمخرجين الفلسطينيين والقضية الفلسطينية؟ اهتمام العرب, ومصر خاصة والعالم بشكل عام بالقضية الفلسطينية جزء من يرجع إلي أن القضية مهمة إنسانيا وليس علي المستوي العربي فقط, فكيف يمكن لإنسان ان ينتزع ارض شخص آخر وتتحول الي حق شرعي له, فأهمية القضية تكمن في أنها تفضح في أنها تفضح الفساد السياسي في العالم كله بغربه قبل شرقه, فكيف يقبل الغرب الذي يدعي أنه يدافع عن الديموقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان أن يدعم دولة مثل دولة إسرائيل, لذلك تظل القضية الفلسطينية حية لأنها مؤشر علي السياسة العالمية الفاسدة, وبالطبع يتم مناقشتها باستمرار في الأفلام للتذكير بهذا المؤشر الذي بدونه لا توجد إنسانية, فالإنسانية قامت علي مواجهة الخطأ ولا يمكن أبدا السكوت علي الخطأ, ونحن من جهة ضحية الاحتلال والمشروع الصهيوني, ومن جهة اخري يوجد تعاطف عالمي كبير مع القضية الفلسطينية دفاعا عن الإنسانية وبدون التعاطف لا يمكن ان نتطور, ومصر هي رائدة العالم العربي وحتي لو خفت اهتمام العالم بالقضية تظل مصر علي موقفها في دعم القضية الفلسطينية لان فلسطين هي بيتها, فقد كانت مصر وفلسطين أرضا واحدة قسمها الانجليز واختاروا لها حكاما.