لكل مبدع مخزون ثقافي وميراث من المعارف والفنون التي تشكلت لديه علي مدار سنوات عمره مما يشاهده ويقرأه ويمر به من خبرات, وكل هذا ترك في ذاكرته بصمة تؤثر علي إبداعه سواء عن وعي وقصد منه أو بدون وعي, والأفلام السينمائية جزء أساسي من التراكمات التي تؤثر علي المبدعين وخاصة المخرجين, فربما لا يوجد مخرج لم يتأثر بعمل أو بمخرج آخر شاهد أعماله في بداية حياته وكان سببا في حبه لعالم السينما, واهتمت بانوراما الفيلم الأوروبي بهذه الفكرة بداية من دورتها السابعة وفي هذا الإطار أسست قسم' علامات سينمائية' والذي يقوم فيه أحد المخرجين المصريين باختيار فيلم يحبه ويناقشه مع جمهور البانوراما بعد عرض الفيلم. وفي الدورة العاشرة المقامة حاليا اختار المخرج الكبير علي بدرخان فيلم' فتاة النهار' الحاصل علي جائزة' الأسد الذهبي' لأفضل فيلم في مهرجان فينسيا السينمائي الدولي في عام1967 إخراج لويس بونوال وإنتاج فرنسا, وإيطاليا وبطولة النجمة كاترين دونوف, واختار المخرج تامر السعيد فيلم' الأبدية ويوم إضافي' إخراج تيودوروس أنجيلوبولوس وإنتاج اليونان, وفرنسا, وإيطاليا, وألمانيا والحائز علي السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الدولي عام.1998 ويقول تامر السعيد في تصريحات للأهرام المسائي- عن علاقته بهذا الفيلم إنه شاهده بعد عام من إنتاجه في1999 أي منذ ما يقرب من18 عاما ومنذ هذا اليوم أثر الفيلم فيه بشكل كبير وعلي الطريقة التي يشاهد بها السينما والأفلام والطريقة التي يفكرها بها أيضا سواء بالنسبة للسينما أو أشياء أكبر منها, مضيفا' بالنسبة لي القيمة الكبيرة للفيلم تكمن في أنه مرتبط جدا بلغة السينما لهذا من الصعب أن نحكي عنه بطريقة أخري غير السينما بمعني أنه من المستحيل التعرض لتجربة هذا الفيلم بدون مشاهدته, لا يمكن أن يحكي أو يكتب عنه لابد من مشاهدته للتواصل مع هذه الحالة فاستخدام المخرج للغة السينمائية مبهر, وعندما نسمع عن فكرة الفيلم أو حكايته ربما تبدو غير مهمة لكن عندما نشاهده نري إلي آي مدي استطاع أن يخلق لغة ويستخدمها في الفيلم'. ويشير إلي أنه يشعر دائما أن طريقة' أنجيلوبولوس' في العمل مختلفة تماما عن طريقته في استخدام السينما, ويقول' أفلامه تكون اللقطات فيها طويلة جدا, فعلي سبيل المثال لديه فيلم مدته4 ساعات واستخدم فيه80 لقطة فقط, أما فيلمي' أخر أيام المدينة' الذي لا تتعدي مدته الساعتين يضم أكثر من1000 لقطة, والطريقة التي ابني بها الإيقاع مختلفة تماما عنه ولكن في نفس الوقت أشعر أن هناك شيئا ملهما جدا في فيلم انجيلوبولوس يجعلني أفكر فيه دائما وهو كيف يمكن أن أجعل المشهد غير قاصر علي مجرد تصوير شيء أو موقف بقدر ما ينقل للمشاهد احساس معين, بحيث لا يكون الفيلم مجرد حكي لمستوي واحد من الأحداث وإنما يكون انعكاس لتركيبات وتعقيدات الحياة عن طريق استخدام الصوت والصورة في الفيلم'. ويقول الناقد الكبير د.يوسف شريف رزق الله إن العديد من المخرجين يتابعون السينما العالمية عن طريق المهرجانات أو من خلال وسائل أخري ولكن لا يمكن تحديد مدي تأثيرها عليهم بشكل دقيق, ولكن المخرج مثل الاديب لابد أن يقرأ كثيرا حتي يكتسب لنفسه اسلوبا خاصة في الكتابة كذلك المخرج لابد أن يكون مطلعا علي أنواع مختلفة من السينما ويحرص علي مشاهدة الأفلام, مشيرا إلي أنه من الأمور المحزنة التي يلاحظها سنويا هي غياب المخرجين وصناع السينما عن متابعة الأفلام المعروضة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي والتي تم اختيارها بعناية من جميع انحاء العالم ويصاحب عدد كبير منها مناقشات مع صناعها موجها الدعوة للسينمائيين لحضور الأفلام. ويؤكد الناقد عصام زكريا أنه لا يوجد فنان لم يتأثر بفنان أو مبدع آخر وحتي الفنانين العالميين تأثروا بمن سبقوهم من السينمائيين الذين تركوا بصمتهم في السينما العالمية, ومن الطبيعي أن يكون أحد الأفلام أو مخرج بعينه سببا في حب مخرج شاب للسينما ودخوله المجال, فهناك الكثير من الأفلام التي نشاهدها ولكن يوجد فيلم بعينه يترك بصمة لا يمكن إنكارها. ويشير إلي أن المخرج الراحل كمال الشيخ علي سبيل المثال كان يظهر في أعماله بوضوح شدة تأثره بالفريد هيتشكوك, ويوسف شاهين تأثر بالكثيرين ولكن توجد في أعماله علامات واضحة لتأثره بالمخرج الإيطالي فيديريكو فيلليني, والمخرج يسري نصر الله متأثر بالسينما الألمانية, وعاطف الطيب تأثر بصلاح ابو سيف بينما تأثر الأخير بالسينما الإيطالية والواقعية الجديدة, بينما تأثر كامل التلمساني- مثل غيره من المخرجين في وقت من الأوقات- بالسينما الروسية و'المدرعة بوتمكين' بالتحديد وقدم فيلمه' الدرجة الثالثة'. ويضيف أنه لابد من التفرقة في الوقت نفسه ما بين حب المخرج لفيلم بعينه أو مخرج وتأثره بأعمال مخرج اخر او بنوع معين من السينما, لأن الحب لا يعني بالضرورة أن تكون أعماله أو السينما التي يقدمها تشبه ما يحبه, وعادة لا يكون التأثر عن وعي أو نوع من التقليد وإنما ما يشبه البصمات التي شكلت وعيه وجعلته بطريقة معينة, فالكثيرون علي سبيل المثال تأثروا بفيلليني وطريقته في التفكير وفي النظر للعالم, كما أثرت الواقعية الايطالية علي عدد كبير من المخرجين وخاصة في مصر مثل كمال سليم وصلاح أبو سيف. ويؤكد أن التأثر يظهر بشكل أوضح علي المخرجين المعاصرين لأن الأفلام العالمية أصبحت متوفرة بشكل أكبر في العصر الحالي نتيجة للتطور التكنولوجي, فاصبح التأثر علي مستوي الفكرة والعنوان والبوستر والاسلوب الاخراجي والتصوير, مضيفا أنه مع الأسف الكثير من المخرجين الذين يتأثروا بتكنيك معين أو بمخرج عالمي يحاولون التقليد في أفلامهم واستخدام نفس التكنيك دون وعي بالهدف من استخدامه ودون أن يكون له معني حقيقي يلائم الحالة أو الموضوع المقدم في الفيلم, بمعني أنه يتحول لتأثر سطحي, وكثرة الأفلام المتوفرة حاليا تتحول في كثير من الحالات الي سلبية وليست ايجابية لأنها خلقت نوعا من التشوش لدي المخرجين يظهر في أعمالهم.