في خلال شهرين تنقل المخرج المغربي فوزي بن سعيدي بفيلمه الجديد وليلي في عدد من المهرجانات الدولية, بداية من عرضه العالمي الأول في قسم أيام فينسيا في الدورة74 لمهرجان فينسيا السينمائي الدولي التي اختتمت فعالياتها في سبتمبر الماضي, ثم انطلق منها الفيلم للمشاركة في الدورة الأولي من مهرجان الجونة السينمائي الدولي, ثم وصل في محطته الأخيرة لمهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف الذي قرر الاحتفاء بفوزي بن سعيدي بثلاث طرق, أولا باختيار فيلمه وليلي ليكون فيلم افتتاح المهرجان في العرض الأول له بالمغرب, وثانيا باختياره كرئيس للجنة تحكيم المهرجان, بالإضافة إلي تكريمه في حفل الافتتاح, وفي هذا الحوار يحدثنا بن سعيدي عن فيلمه وعن علاقته بالمسرح والسينما. كيف كان العرض الأول للفيلم في المغرب؟ سعدت كثيرا باختيار الفيلم للعرض في حفل الافتتاح ليكون أول عرض له في المغرب, إلا أن المشاكل التقنية أثرت علي الفيلم, ولهذا طلبت من إدارة المهرجان إعادة عرضه في موعد آخر واستجابت لذلك بالفعل وعرض مرة أخري أول أمس وشاهده عدد كبير من الجمهور المغربي, بعد جولة علي مدار شهرين بدأها الفيلم من مهرجان فينسيا التي شهدت عرضه العالمي الأول. وما هي المعايير التي تحكم بها علي جودة الأفلام باعتبارك رئيس للجنة التحكيم؟ أعتقد أنه لابد دائما أن نشاهد الأفلام بقلوبنا حتي لو كنا في لجان التحكيم, وفي مرحلة تالية نشاهدها بعقولنا, لأنه لابد دائما أن يمر الرابط بين المشاهد والفيلم عبر الإحساس والقلب, وبعد ذلك يمكن لنا كأعضاء للجنة التحكيم أن نعمل علي الشرح والتحليل والتنظير واختيار الفيلم الأفضل, ولكن تظل خفقة القلب الأولي مهمة جدا في عالم السينما, ولا يمكن الاستغناء عنها في الحكم علي العمل السينمائي. باعتبارك من صناع سينما المؤلف وتكتب أفلامك بنفسك هل ترفض العمل علي سيناريوهات لكتاب آخرين؟ لا لست منغلقا عن العمل مع سيناريست أو مؤلف آخر, ولكن في البداية هناك قصص شخصية وذاتية رافقتني لسنوات واحتاج للحديث عنها لذلك أقدم قصص أفلامي بنفسي, ومن الممكن في المستقبل أن أعمل مع سيناريست أخر أو علي رواية تحكي حكايات الآخرين, لكني مازالت في مرحلة تقديم قصص نابعة من داخلي وتاريخي وعلاقاتي, وإنما في المسرح علي سبيل المثال أخرجت أعمالا لشكسبير وجان أنوي وغيرهم. بالمقارنة بين السينما في المغرب وفي مصر ما الذي يمكن ان تقوله؟ لدينا في المغرب إمكانيات اقل لكن لدينا حرية اكبر ولا يوجد ما يسمي سلطة المال علي الأفلام وهو ما أفضله بطبيعة الحال كمخرج ولكن ربما من الأفضل أيضا أن تكون هناك صناعة سينمائية لأن هذا معناه تطور المعرفة التقنية بدرجة كبيرة والتي من الممكن أن تعينني علي أن اصنع فيلمي بطريقة أفضل, والصناعة تحتاج أيضا لأفلام فنية جيدة لاكتشاف مخرجين واذا صنعت فيلما جيدا ونجح سيمنحك هذا الفرصة لصناعة فيلما ثانيا وثالثا, واعتقد أن من بين مسئوليات المخرج أن يدافع عن رؤيته وطريقته في صناعة فيلمه في مواجهة المنتجين الكبار وتحكمات السوق فهو صاحب القرار الأول والأخير في تحقيق الموسيقي الداخلية للفيلم. كيف اخترت فكرة فيلم وليلي ؟ الأفلام تولد من الملاحظات ومن الإحساس الداخلي, وفي الثلاث سنوات الأخيرة أثارتني كثيرا فكرة العولمة المتوحشة ورأس المال المسيطر الذي سرق حياتنا واحلام, وسلطة المال والثراء الفاحش والفوارق الطبقية الكبيرة ليس فقط في المغرب وإنما في العالم كله, فهي فروق شاسعة, وما يصاحب ذلك من ظهور تركيبة تجارية جديدة في المدن, ومهن جديدة مثل مهنة الحارس في المول التجاري التي كان يعمل بها بطل الفيلم, ونطرح التساؤلات عن قصة الحب وهل مهما كانت جميلة ورومانسية هل تستطيع أن تصمد أمام وضعا اجتماعيا واقتصاديا صعبا جدا؟ هل يمكن ان يصمد الحب بدون أدني متطلبات الحياة؟ انطلق الفيلم من كل هذه الملاحظات والتساؤلات. الفيلم تم إنتاجه بدعم من المركز السينمائي المغربي فهل كانت هناك أية اعتراضات أو ملاحظات عليه؟ لا أبدا لم تكن هناك أية ملاحظات او نوع من الرقابة علي الفيلم فقد تم تنفيذ السيناريو ودعمه كما كتبته تماما, وشارك في قسم ايام فينيسيا في الدورة الأخيرة من المهرجان وهو قسم يشبه أسبوع المخرجين في مهرجان كان, ويشارك في مسابقته12 فيلما فقط, من الأفلام المميزة الفريدة التي تقدم قصص إنسانية وليست تجارية. هل مشاركة الانتاج الأجنبي في الفيلم تدعم فرص مشاركته في مهرجانات عالمية؟ لا.. لا أري ذلك لأن الكثير من الأفلام يشارك في إنتاجها جهات أجنبية, ولكن هذه المهرجانات العالمية لديها اختيارات متعددة من بين اكثر من2000 فيلم من انحاء العالم, ولا يساعد الانتاج المشترك في دخول الفيلم للمهرجان فالأهم هو جودة الفيلم نفسه, فالعالم كله يحلم بالمشاركة في كان وبرلين وفينسيا, فهي مهرجانات في موقع قوة. في كثير من الأحيان يري المخرج أنه من الصعب أن يمثل في فيلم من إخراجه كيف كانت هذه تجربة التمثيل في فيلمك؟ عندما امثل في الفيلم اشعر أنني أعطيه شيئا من جسدي وروحي, وتصبح علاقتي به أكثر قوة, في البداية عندما كنت أخرج للمسرح, لم امثل في عرض واحد من اخراجي وكنت اري فعلا انه من الصعب أن أمثل في عرض من إخراجي ولكن في النهاية اكتشفت أنه من الممكن التوفيق والموازنة بين الاثنين واكتشفت أيضا جانب آخر ايجابي وهو أن تمثيلي في الفيلم يقوي علاقتي بالممثلين لاني مخرج وفي نفس الوقت جزء من فريق التمثيل ونصبح مثل فريق موسيقي, فالفرق الموسيقية دائما يكون من بين العازفين فيه واحد يقوم بدور القائد ينظم العمل بينهم. لماذا اخترت اسم الفيلم وليلي أو فولبليس ؟ وليلي أو فوليبليس هو اسم مدينة أثرية قريبة من المدينة التي تدور فيها أحداث الفيلم وهي مدينة رومانية قديمة يقع فيها واحد من المشاهد الرئيسية في الفيلم بين البطل والبطلة, واخترتها بالتحديد لتكون عنوان الفيلم لأننا عندما نشاهد الحكاية نكتشف أن بعض الأحداث الأساسية تحدث بعد مرورهم من هذه المدينة وأيا لربط الفيلم وشخصياته بتاريخ وتراجيديا معينة, وكأنها نهاية عالم وبداية عالم جديد وفي نفس الوقت فوليبليس هو اسم وردة لأن الجانب النسوي في الفيلم قوي جدا وأردت أن أوحي بذلك في عنوان الفيلم, تواجد الشخصيات النسائية قوي جدا وأساسي في الفيلم لأن لدي إحساسا قويا أنه إذا تم إنقاذ العالم وسيكون إنقاذه علي يد النساء ولن ينقذ العالم العربي غيرهن, الزوجة هي التي أنقذت زوجها علي مستوي الحكاية وأقول انه إذا تم إعطاء النساء مكانة اكبر في المجتمع ستكون هذه المجتمعات أفضل. وهل الإنتاج في المغرب يقتصر علي دعم الدولة فقط؟ نعم, الدولة والتليفزيون هما اللذان يتوليان مسئولية الإنتاج بالإضافة إلي3 أو4 إنتاجات مشتركة في السنة خاصة مع أوروبا, والباقي هو إنتاج محلي ولكن بدأت مؤخرا بوادر الانتاج الخاص لكنها مازالت في البداية ولا يمكن أن نسميها صناعة سينما, لهذا مازال من الصعب انتاج أفلام بدون دعم الدولة. وما الذي ساعد مخرجي المغرب علي تطوير ادواتهم والوصول بأفلامهم للمهرجانات العالمية في الآونة الأخيرة؟ يوجد مجموعة من الأشياء التي ساهمت في ذلك ومنها أن أبناء جيلي من المخرجين سافروا إلي فرنسا وبلجيكا وأمريكا لدراسة السينما ثم عادوا إلي المغرب, وقدمنا أفلاما قصيرة كان لها تأثير ووجود قوي, والتفتت الدولة لهذا الحراك الذي بدأ يظهر في السينما وتبنت هؤلاء المخرجين ورفعت ميزانية صندوق الدعم3 أضعاف القيمة السابقة, وطالبت النقابات والغرف السينمائية ببعض المطالب التي تساهم في دعم السينما وتطويرها بشكل أكبر وتم تحقيق ذلك ودخل التليفزيون في مجال الإنتاج السينمائي, وتم افتتاح مدرسة للسينما في مراكش وسينماتك في طنجة ومؤخرا تم افتتاح أكاديمية للسينما, كل هذا الحراك من جانب الدولة ومن السينمائيين بالإضافة لكون المغرب بلد منفتح علي السينما العالمية, ساهم في تطور السينما وظهور مخرجين متميزين.