شهدت الساحة الدعوية خلال الأيام الماضية جدلا واسعا بين الأئمة عقب إعلان الأوقاف إجراء دورة تدريبية يعقبها اختبارات لقياس المستوي العلمي والخطابي لهم معلنين رفضهم هذا القرار, ووصفوه بالمهين للدعاة كما انه يشكك في التعليم الازهري, وتطور الرفض للاحتجاج لأول مرة من الدعاة في صحن الجامع الأزهر الشريف الذي كان علي مدي ما يقرب من ألف عام ملاذا للمصريين لإعلان رفضهم السياسيات الجائرة, وحول عملية إعداد الأئمة في المرحلة التعليمية ودور المناهج الدراسية في كليات جامعة الأزهر لتأهيل الداعية وتلبية متطلبات الدعوة لتتماشي مع روح العصر وما إذا كانت كافية فلماذا الاختبارات لقياس مستوي الأئمة في وزارة الأوقاف بعد ممارسته المهنة لسنوات طويلة؟ تناقش الاهرام المسائي هذه القضية.. يقول الشيخ فكري اسماعيل عضو المجلس الأعلي للشئون الإسلامية ووكيل أوقاف الإسكندرية الأسبق إن اجراء المسابقات وعقد الاختبارات بين الحين والآخر بعد تخرج الطلاب وتعيينهم بالأوقاف أفضل وسيلة للارتقاء بمستوي الامام خاصة اذا كانت لها مكافآت مجزية لمن لديهم كفاءة وعدم معاقبة من هم أقل كفاءة فيحاول الائمة دون قلق التزود بالمعرفة سواء وفق في الاختبارات أو لم يحالفه التوفيق محذرا من خطورة الآثار السلبية المترتبة علي معاقبة الامام وخصم شي من راتبه في ظل الظروف الحالية لانعكاسها علي اسرته بالتبعية فيضطر إلي عدم التفرغ للمسجد والانشغال بمهن أخري لتلبية احتياجات أسرته في ظل وجود عجز في الأئمة يقترب من70% مما يساهم في اختراق المساجد والمنابر من جانب المنتمين للتيارات المنحرفة وهو ما يناقض خطة الاوقاف للسيطرة علي المنابر من تلك الجماعات المتشددة. ويهمس اسماعيل في أذن الدكتور محمد مختار جمعه وزير الأوقاف بأن90% من المساجد لا يوجد بها مقارئ بعد إصرار الأوقاف علي اختبار أعضاء المقارئ من كبار السن مما يشير إلي عدم أدائها رسالتها علي اكمل وجه وهو الأمر الذي اذا حاولت الأوقاف تطبيقة علي الأئمة فسيكون ردهم قاسيا ويشير الدكتور صابر مشالي عميد كلية دار العلوم بجامعة الفيوم إلي أن مرحلة اعداد الداعي تمر بمراحل ثلاث الأولي التعليم الجامعي وهي أخطر مرحلة ويجب التركيز فيها علي تطوير المناهج وتحديثها وإضافة المقررات التي تناسب العصر وتواكب التطور الزمني خاصة في مقررات الكليات النظرية والمتخصصة كالدعوة وأصول الدين والدراسات الإسلامية والتي بحاجة شديدة إلي مقررات تناقش قضايا العصر كمقرر فقه الواقع والذي يجب تدريسه في جميع كليات العلوم الإسلامية وأقسامها وكذا مقرر مقاصد الشريعة والمقررات المعنية بالقضايا العصرية كالاقتصاد الإسلامي والقضايا الطبية المعاصرة وقضايا الأسرة من خلع ونفقة وحضانة وتنظيم للنسل واجهاض الأجنة وأحكام إجهاض حالات الزنا والأجنة المشوهة والمعاملات البنكية والتسويق الشبكي والبورصة وأحكام التعامل بالأسهم والسندات,وقضايا الجنايات المعاصرة. وفي المرحلة الثانية يتم اختيار الداعية وتأهيله وفق قواعد ومعايير مناسبة لوظيفة الداعية من حيث القدرة علي القراءة الصحيحة والقدرة علي النطق والتحدث بلغة عربية سليمة والقدرة علي الفهم والتعامل مع النصوص الشرعية قراءة وفهما واستيعابا ويجب ان تتم هذه الاختبارات وفق اختبارات معيارية تقيس قدرات الخريج في جوانب متعددة هي القراءة والكتابة والنطق والفهم والأداء بعكس الاختبارات التي كانت تعقدها الأوقاف في السابق وكانت تقيس قدرة الامام بدون نسبة مقابلة شخصية. ثم يتم تأهيل الداعية الذي نجح وفق اختبارات معيارية قبل اعتلاء المنبر بتكليفه باجتياز عدة دورات تأهيلية واقتراح اجرائها في معاهد اعداد الدعاة والمراكز الثقافية المنتشرة في المحافظات عن طريق الكفاءات في جميع التخصصات المتعلقة بالعلوم الإسلامية بالاضافة لعقد دورات جديدة لتلقي علوم ومعارف مساعدة كعلم النفس والاجتماع والاقتصاد والتنمية البشرية وتطوير الذات في فترة لا تقل عن6 أشهر حتي يصبح مؤهلا. لتأتي المرحلة الأخيرة بعد تأهيله في الجامعة وعقد اختبارات معيارية ودورات تأهيلية وتدريبية ليرتقي فيها المنبر وهذا ليس معناه عدم تطويره ورفع امكاناته من خلال عقد دورات تدريبية من وقت لآخر لمتابعة الأداء وضمان استمرار مواكبة الدعاة لتطورات الحياة فالشركات والمؤسسات العلمية التي تحصل علي شهادة الاعتماد يتم متابعة الجودة فيها بصفة دورية وهذا لا ينبغي ان يغضب الائمة لأنه في صالحهم وضمان لاستمرار تميزهم وتفوقهم في المجال الدعوي. ويوضح الدكتور عبدالله محيي الدين عزب أستاذ العقيدة والفلسفة ووكيل كلية أصول الدين جامعة الأزهر بالقاهرة, ان المناهج الدراسية التي يدرسها الطالب خلال السنوات الأربع في كلية أصول الدين وفي الكليات الشرعية التابعة لجامعة الأزهر تلبي حاجة الدعوة فهو يدرس علوم الآلة كاللغة العربية والمنطق القديم والحديث, ويدرس العقيدة والتفسير والحديث وعلومه والفقه وأصوله, فالأزهر الشريف كان وسيظل منارة كبري تنشر إشعاع الهدي والعلم والمعرفة, ليس في مصر فقط, ولكن في العالم الإسلامي بأكمله, فهو يحمل أعباء الدعوة وتوصيل الإسلام إلي العالم كله في صورته الوسطية المعتدلة والمتوازنة, والأزهر يقوم بذلك منذ اكثر من الف وخمسين عاما ويفد اليه طلاب العلم والمعرفة من جميع دول العالم, ثم يعودون إلي بلادهم وقد تزودوا بمعارف متعددة دينية واجتماعية وعلمية, فالأزهر له دوره الريادي المؤثر في نشر الأفكار المعتدلة في ضوء احترام المذاهب المختلفة, وتنوع الاجتهادات, التي تقبل الرأي والرأي الآخر, والكليات الشرعية تقوم بتدريس علوم الآلة مثل علوم اللغة التي تضبط اللسان عن الخطأ في النطق والذي يؤدي إهمال تعلمها إلي تغيير المعني في كثير من الأحيان, مما يؤدي إلي فهم النص فهما خاطئا, ويتعلم الطالب في الأزهر المنطق والحديث الذي يعني بالمفاهيم وتحديدها ويعصم الذهن من الخطأ في التفكير, كما يتعلم أصول الدين وفروعه لمعرفة أركان الإيمان عن طريق الحجة والبرهان, والقدرة علي رد الشبهات ضد الملحدين والمشككين من التيارات القديمة المتشددة الممتد روادها حتي الآن والتي تأخذ بظاهر النصوص دون إعمال العقل ومن ثم يخطئون في أحكامهم ويحملون النصوص فوق ما تحتمل, وكذلك يتعلم الطالب في علم العقيدة كيف يفهم ويرد علي أفكار التيارات الحديثة التي تريد إفراغ الدين عن مضمونه ومقاصده بدعوي التقدم والتحضر, ويدرس الطالب في كلية أصول الدين والدعوة التفسير وأقسامه والفرق بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي, وضوابط كل منهما ويتعلم علوم القرآن وأسباب النزول والمكي والمدني والناسخ والمنسوخ والخاص والعام إلي غير ذلك من العلوم والضوابط التي تجعله يفهم نصوص الشرع فهما صحيحا بعيدا عن التفريط والإفراط, ويتعلم الحديث النبوي ويعرف الفرق بين المتواتر والآحاد, وكيف يحتج بكل منهما ويتعلم الفرق بين الصحيح والضعيف والموضوع الخ, ويدرس علم الفقه وأصوله علي كل المذاهب وتنوع الاجتهادات, ويدرس أدب البحث والمناظرة, وتقبل الرأي والرأي الآخر, كما يدرس أصول الدعوة والخطابة ومناهجها وأساليبها إلي غير ذلك من العلوم المتطلبة لبناء عقل الطالب وفكره في صورة وسطية معتدلة تتماشي مع ظروف العصر. ويضيف العزب أن هناك أيضا خطة كل خمس سنوات في الأزهر لتطوير المناهج, بالمعاهد والجامعة, من قبيل أن هناك بعض المفردات تكون صعبة علي الطلاب والمعلمين, وبعض الآراء الشاذة, أو الآراء التي كانت تناسب زمانا غير هذا الزمان فيقوم الأزهر بتيسيرها وتوضيحها لأنها تتضمن أفكارا مغلوطة أو متطرفة أو شاذة أو لا تناسب هذا الزمان, وليس معني هذا أننا نقف عند هذا الحد بل لابد من تطوير المناهج بصفة مستمرة, وإضافة بعض المفردات عليها, لدراسة الواقع والمستجدات من الأحداث والوقائع, وإعداد الطالب مشروع الداعية بها, وهذا ما تقوم به كليات الجامعة بالفعل مع لجنة المناهج في الجامعة. ورغم ذلك فإن ما تقدمه الجامعة للطالب ما هي إلا مفاتيح ومناهج يستطيع بها الخريج الذي سيصبح الداعية أن يسير بها في الطريق الصحيح, وهذا يتطلب منه أن يكون دؤوبا في تحصيل العلم دائم القراءة, يهتم بإعداد خطبته وتحضيرها, وإن يكون ملما بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تدور حوله باحثا لها عن حلول شرعية تتمشي مع وسطية الإسلام وسماحته, ويقدم ذلك لجمهوره ولمن يدعوهم بأسلوب هين لين حتي تكون دعوته مقبوله عندهم, والداعية بذلك يقوم بمهمة عظيمة ودقيقة يحتاج خلالها العون والمساعدة والتخطيط, ولذا كان لابد من الإشراف علي الداعية وإعداده, ومراقبته واختباره وتدريبه وإمداده بما يعينه علي النجاح من قبل وزارة الأوقاف. ويري الدكتور محيي الدين عزب أن هذه الاختبارات للداعية الذي مارس المهنة عشر سنوات مطلوبة ومهمة, وليس فيها إهانة للداعية كما يدعي البعض بل هي من أساليب الجودة المعمول بها في كل قطاعات التعليم والبحث العلمي في مصر والعالم, وهذه الاختبارات لها فوائد عديدة تعود علي الداعية بالنفع منها تطبيق مبدأ الثواب والعقاب فهي تبين الفرق بين الداعية المجتهد وبين الداعية المخفق والمتكاسل, وهي تنشط الدعاة وتقوي هممهم للقراءة والإطلاع لأن الداعية لا يستغني عن القراءة المستمرة والإطلاع الدائم.