عري حادث الواحات البحرية الذي راح ضحيته عدد من خيرة شباب مصر من ضباط وأفراد الشرطة المصرية الباسلة الإعلام المصري, الذي ظهر في قمة السوء والتخبط والفوضي والجهل, ورأينا العجب العجاب من اللهث وراء القنوات المعادية, التي لا هم لها سوي إشاعة جو من اليأس والإحباط بين المصريين, من خلال بث الأخبار المفبركة عن عدد الضحايا والمصابين, ولم يلتزم الإعلام المرئي والمسموع والمقروء بالمهنية والحيادية, ولم يكلف نفسه عناء البحث عن المعلومة, أو الانتظار حتي تعلن الجهات الرسمية عن العدد الحقيقي للضحايا والمصابين. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن, هل توجد في مصر إستراتيجية متكاملة للإعلام ؟ وفي محاولة للإجابة علي هذا السؤال أبادر فأقول: لا توجد إستراتيجية بمعناها الشامل للإعلام المصري, ولو كانت هناك إستراتيجية لما وجدنا هذا الكم من الفوضي والتخبط والتردي غير المسبوق في الإعلام المصري, الذي لا يزال عاجزا عن الرد علي ما تبثه القنوات المعادية لمصر من أكاذيب وشائعات وأخبار مفبركة ومختلقة ما أنزل الله بها من سلطان ضد مصر, ناهيك عن فشله الذريع في التصدي لكتائب جماعات الشر الإلكترونية. مصر الآن في أمس الحاجة إلي إستراتيجية إعلامية متكاملة تتوزع فيها الأدوار ما بين المجلس الأعلي للإعلام, والهيئة الوطنية للصحافة, والهيئة الوطنية للإعلام, والمؤسسات الصحفية القومية والحزبية والخاصة, ونقابتي الصحفيين والإعلاميين, والهيئة العامة للاستعلامات, وغرفة صناعة الإعلام, حتي لا يعمل كل منها في جزيرة منعزلة عن الآخرين, وبحيث تتكامل الأدوار وتتلاقي وتصب جميعها في صالح الدولة المصرية, لا أن يبحث كل منها عن مجد شخصي, أو تظهر مواقفها المتعارضة والمتنافرة علي الملأ, كما حدث وتبني المجلس الأعلي للإعلام موقفا مغايرا لنقابة الإعلاميين في واقعة الفيديو الذي تم بثه علي إحدي القنوات الخاصة. وترجمة هذه الإستراتيجية إلي رؤي وأفكار, نشاهدها علي الشاشة ونسمعها عبر أثير الإذاعة, ونقرأها في الصحف والمجلات, يتطلب العمل الجماعي, وليس الفردي, فنحن في حالة حرب حقيقية نخوضها علي جبهات عدة, فعلي المستوي الخارجي, هناك الإرهاب الذي تقف خلفه دول وأجهزة مخابرات عالمية, بالإضافة إلي حرب المياه, وعلي المستوي الداخلي نخوض حربا أكثر شراسة وضراوة مع الفساد والروتين والبيروقراطية والترهل الإداري ومع محترفي سرقة ونهب المال العام, ويجب أن تكون لدينا رؤية إعلامية متكاملة لكيفية خوض هذه الحروب ومواجهتها, حتي نخرج منتصرين في النهاية. ولا يعني ذلك أن تهلل وسائل الإعلام وتعلن ليل, نهار أننا في حالة حرب ونحتاج إلي إعلام حرب, ففي هذه الحالة سيكون الإعلام كالدبة التي قتلت صاحبها, ولكن المطلوب أن نمارس إعلام الحرب علي أرض الواقع, بشكل عملي غير معلن, حتي لا يهرب المستثمرون والسائحون ورءوس الأموال بلا رجعة. وأولي خطوات هذه الإستراتيجية إعادة بناء جسور الثقة بين الشعب ووسائل الإعلام, من خلال إتاحة تدفق وتداول المعلومات الصحيحة الموثقة من مصادرها الأصلية, أي من الدولة المصرية ممثلة في الوزارات والمحافظات وغيرها, حتي لا تملأ وسائل الإعلام أي مساحة يتم تركها بدون معلومات موثقة من الجهات الرسمية عن واقعة معينة أو حادث معين, بالتخمينات والاجتهادات, وأيضا لقطع الطريق علي الكتائب الإلكترونية المعادية, التي تنتهز الفرصة لتملأ هذه المساحة الخالية بالأخبار المفبركة والأكاذيب والشائعات التي تضر بالأمن القومي. ويجب أن تعبر هذه الإستراتيجية الإعلامية عن مختلف وجهات النظر, وتكون هناك مساحة للمعارضة الواعية طالما تعمل من أجل صالح الوطن, وليس بهدف زعزعة الاستقرار وإثارة المخاوف والتشكيك في جدوي أي إنجاز.