أصبحت ظاهرة انتشار الباعة الجائلين بجميع قري ومدن وأحياء كافة محافظات الجمهورية تمثل مشكلة وأزمة كبيرة وصداعا مزمنا للمواطنين والمسئولين علي حد سواء بعد أن حول هؤلاء الباعة شوارع مصر إلي سوق عشوائية كبيرة نشروا بها الفوضي في كل مكان بعدما احتلوا الميادين العامة وأحكموا قبضتهم علي الأرصفة ومنعوا المارة من السير عليها وتسببوا في حدوث اختناقات مرورية أصابت جميع الشوارع والميادين الكبري بالشلل. فيما تسببت المخلفات التي تنتج عنهم في إصابة المواطنين بالعديد من الأمراض والأوبئة نتيجة الروائح الكريهة التي تصدر عنهم, فضلا عن الحشرات التي تتجمع حول أكوام القمامة التي تنتج عنها. بينما رفض هؤلاء الباعة الانتقال إلي الأسواق الحضارية البديلة التي وفرتها لهم الدولة في صورة مولات وباكيات حتي تحافظ لهم علي لقمة عيشهم وفي الوقت نفسه تحافظ علي الشكل الحضاري للمدن والقري التي شوهها هؤلاء الباعة. الأهرام المسائي فتحت هذا الملف الخطير في محاولة للتقريب بين متطلبات التنمية والتطوير التي تسعي الدولة إلي تحقيقها للوصول إلي مصر الجديدة, ورغبات الباعة الجائلين في البحث عن الاستقرار وتأمين مصدر رزق لهم يكفل الحياة الكريمة لأسرهم. في الحلقة الثانية من الملف ترصد الأهرام المسائي قيام الباعة الجائلين بتشويه المظهر الحضاري للمدن السياحية بأسوان والإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط, بعد أن مارسوا لعبة الكر والفر مع الأجهزة التنفيذية التي ما تلبث أن تقوم بحملة لإزالتهم حتي تفاجأ بعودتهم مرة أخري إلي مواقعهم, الأمر الذي يعطل تنفيذ القانون. الإشغالات تشوه جمال أسوان الأسواق سداح مداح .. و «الباعة » يفرضون سطوتهم على الشوارع .. والسويقات خالية أسوان عزالدين عبدالعزيز عندما فكرت محافظة أسوان والتي تعد من أهم المحافظات السياحية- في كيفية مواجهة إشغالات وتعديات الباعة الجائلين علي الطرق والميادين منذ سنوات طويلة, كانت تضع في اعتبارها دائما عاملين مهمين.. الأول هو تفرد المحافظة بأنها محافظة مفتوحة تستقبل أبناء المحافظات الأخري الطاردة لسكانها وبالتالي ترتفع نسبة التعديات من الباعة الجائلين,والثاني هو الحرص علي البعد الاجتماعي لهؤلاء الباعة الذين يبحثون عن مصدر رزق.. لذا جاءت القرارات التي صدرت الواحد تلو الآخر بإنشاء سويقات مجمعة تقوم علي توزيع وانتشار الأسواق التجارية في جميع مناطق كل مركز. هذا الفكر, ظل مطبقا إلي فترة ماقبل ثورة يناير2011 التي شهدت انضباطا مابعده انضباط, خاصة مع تزامن ذلك مع أكبر عملية تطوير وتجميل تعرضت لها مدينة أسوان في تاريخها, ولكن للأسف وفي6 سنوات تلت هذه الثورة, شهدت المحافظة عامة والمدينة العاصمة خاصة فوضي مابعدها فوضي, حيث استولي الباعة علي أهم الشوارع والأسواق والميادين وعلي رأسها السوق السياحي الشهير. معاناة السوق السياحي وفيما رصدت الأهرام المسائي من قلب مدينة أسوان ومن داخل أسواق الحارث والشواربي القديم وامتداد السوق التجارية المشاهد المؤسفة لهذه المدينة السياحية التي اختفت فيها الجداريات الملونة التي سيطر عليها الباعة بتعليق بضائعهم, رصدنا أيضا فوضي الطرقات واختفاء واجهات المحلات, وقيام المقاهي بفرض سطوتها علي الجميع, والغريب في الأمر أن أصحاب المحلات قد بادلوا هذه الإشغالات بالمثل, وذلك بالقيام بوضع متاريس وجراكن مياه كبيرة وأحجار لمنع الباعة والسيارات من الوقوف أمامهم في مشهد فوضوي غير مقبول. في داخل السوق يقول هشام الدالي تاجر إن الفوضي التي تعم الأسواق سببها الرئيسي الباعة الجائلين الذين تم تسكينهم في السويقات المختلفة من قبل, ورغم ذلك لايزالون يرفضون الانتقال إليها مما يتسبب في مضايقة المارة وأصحاب المحلات الذين تأثروا بهؤلاء الباعة في ظل قيامهم ببيع البضائع بدون تحميل التكاليف الباهظة التي ترهق التجار مثل الكهرباء والضرائب والتأمينات, ويضيف قائلا للأسف فقد تحول المشهد إلي بلطجة بمعني الكلمة في ظل تحديهم للجميع, ويضيف بأن السوق السياحية القديمة يعد من أهم المزارات السياحية المدرجة بالبرامج السياحية, ومع هذا فالباعة يفترشونه ويتعرضون للسائحين سواء بالإلحاح علي شراء مايحملونه من بضائع مقلدة ومغشوشة أو بالنصب عليهم وسرقتهم, هذا بخلاف تسلل عدد من محترفي الإجرام إلي السوق مما يضر بالسياحة. مطالب بنقل الباعة يقول عادل عبد المجيد مغربي بالسياحة: مايحدث في قلب مدينة أسوان العاصمة السياحية الشهيرة لايمكن السكوت عليه, ولكن للأسف لا تجد إمبراطورية الباعة الجائلين من يتصدي لها ويواجهها, ويصف ذلك المشهد قائلا إن الباعة الجائلين يفترشون الطرق وفي نفس الوقت أيضا لايكتفي أصحاب المحلات بمحلاتهم ويقلدوهم بالاستيلاء علي الأرصفة فلا يجد المارة طريقا أمنا يسلكونه ناهيكم عن تعرض الأهالي للأذي قولا وفعلا, وأضاف بأن مدينة أسوان ظلت محتفظة بجمالها حتي ماقبل ثورة يناير, وبعدها تغير السلوك وغاب الوعي المجتمعي وسيطرت شريعة الغابة علي الأسواق, وأشار إلي أن منطقة السوق التجارية تتحول كل ليلة إلي تلال من القمامة ومخلفات الباعة التي يتم وضعها علي الأرصفة وخارج الصناديق فتنبعث منها روائح كريهة تسبب كوارث بيئية بلا رقيب ولا حسيب, وطالب مغربي بنقل الباعة إلي السويقات التي تم إنشائها ولاتزال حتي الآن خاوية علي عروشها لرفض الباعة الانتقال إلي هناك بحجج واهية.. وشاركه في الرأي فتحي خديوي من مواطني منطقة السيل قائلا إذا أردت أن تري الفوضي والتعديات عن صدق ويقين فإذهب إلي السيل, هذه المنطقة التجارية العشوائية التي يحتلها الباعة وأصحاب المحلات, وللأسف ورغم أنها لاتبعد كثيرا عن حي شرق فإنها سرعان ماتعود إلي سبرتها الأولي بمجرد انتهاء الحملات التي تشن عليها. الخميس والجمعة نموذج للفوضي ويعد سوقا الخميس القديم والجمعة نموذجا للفوضي بعينها, فالأول وكما يقول وليد الأغا عضو مجلس محلي سابق يحتل منطقة مرورية مهمة في الطريق الممتد من منشية النوبة إلي المستشف الجامعي, واتحدي أن تتمكن سيارة إسعاف أو إطفاء أو حتي سيارة عادية من المرور في هذه المنطقة بداية من مساء الأربعاء وحتي عصر الخميس من كل إسبوع بعد أن افترش الباعة نهر الطريق تماما, كما أن سوق الجمعة الذي يليه في منطقة البشارية أمام الصالة المغطاة لايقل خطورة عنه, والنتيجة هي تكدس أكوام القمامة وتعرض الأهالي للمضايقات, وطالب بتحرك أجهزة المحافظة لإعادة الانضباط للمدينة قبل بداية الموسم السياحي الجديد. انفلات بأسواق كوم أمبو وفي كوم أمبو التي تعد أسواقها نموذجا مثاليا للفوضي وعدم النظام, قال أحمد الطيب, موظف: إن الشوارع قد باتت تحت قبضة الباعة الجائلين في كل مكان, ورغم قيام إدارة المرافق ومسئولي الأحياء بمطاردتهم,إلا أنهم يعودون من جديد بعد ساعات من الحملات والحل الذي أراه مناسبا هو تخصيص نقاط شرطة ثابتة داخل التجمعات والأسواق والبدء فورا في إنشاء سويقات حضارية داخل الأحياء المختلفة, للحد من هذه الظاهرة المسيئة مع تطهير الأحياء من الفاسدين الذين يساعدون مافيا الإشغالات قولا وفعلا. أريد مكانا ومن الباعة الجائلين يقول علي عبد الرحيم جئت من سوهاج منذ5 سنوات لأبحث عن لقمة عيش بالحلال بعد أن ضاقت بي السبل في بلدي, خاصة وأن أسوان بلد طيب ورزقه واسع, ووضعت بضاعتي علي أحد الأرصفة رغم علمي بأن هذا مخالف للقانون, وأضاف إن عملي هذا أفضل من الانحراف وأتمني أن تدبر لي المحافظة ولو مترين في أي سويقة, فأنا متزوج وأكافح من أجل أولادي, وعندما هممنا بتصويره رفض واعترض بشدة. السكرتير العام: غرامات مالية جديدة.. وتوعية البائعين أكد اللواء هاني محمود السكرتير العام للمحافظة أنه بحث أسلوب العمل في إزالة الإشغالات والتعديات والباعة الجائلين خلال اجتماعه بكل من العقيد سامح رضوان مدير إدارة شرطة المرافق, ورؤساء المراكز والمدن والأحياء ومديري القوي العاملة والشئون المالية والقانونية, ومسئولي التراخيص والإشغالات بالوحدات المحلية, وشدد السكرتير العام علي تكثيف الحملات لردع المخالفين وضبط الأسواق, مع الحرص علي توعية الباعة وأصحاب المحال التجارية باللائحة الجديدة للغرامات المالية التي سيتم تطبيقها علي المضبوطات المخالفة عقب اعتمادها من المحافظ, وأكد السكرتير العام ضرورة التواصل المستمر بين الوحدات المحلية وشرطة المرافق,وذلك حتي يتم تنفيذ منظومة العمل الجديدة علي أكمل وجه. ووجه هاني محمود إلي ضرورة قيام الوحدات المحلية بتوفير كافة الإمكانيات المختلفة من المعدات,وتجهيز الحملات التي ستقوم بتنفيذ قرارات الإزالة, علي أن تقوم الشئون المالية والقانونية بالمحافظة بدراسة مدي صحة الإجراءات القانونية التي ستوفر مستلزمات إدارة المرافق من خلال الخطة الإستثمارية أو خلاف ذلك. روشتة علاج يضع الدكتور حمدي عبد الحارس البخشونجي أستاذ تنظيم المجتمع بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية روشتة علاج هذه الظاهرة قائلا: لابد من مواجهة هذه الظاهرة من خلال التصدي للبطالة والعمل علي تشغيل الشباب واقناعهم بالعمل الخاص الذي يقوم علي أسس ومعايير محددة لا تضر الصالح العام للمجتمع, ويتساءل أين أجهزة المحليات والأحياء التي تغض البصر عن هذه المافيا التي لا تتوقف عند بائع جائل فقط, بل تمتد إلي أصحاب وملاك المحلات الصغيرة والكبيرة أيضا, ففي السوق السياحي لايمكن لسيدة أو رجل كبير في السن أن يتسوق فيه بأمان, لذا أري ضرورة تشديد الحملات علي المناطق التجارية المزدحمة ووضع نقاط شرطة ثابتة في الأسواق لمساعدة المجتمع المدني الذي لايستطيع أن يواجه ذلك, فهو لايملك السلطة ولاالضبطية القضائية لمواجهة هذه المافيا, بالإضافة إلي التفكير في إنشاء تجمعات موسمية للباعة في الأعياد والمواسم بعيدا عن الأسواق التي تقع في مناطق مكدسة بالسكان. رئيس مدينة أسوان: تسهيل إجراءات نقل البائعين إلي السويقات أما محمود عليان رئيس مدينة ومركز أسوان فأكد أن حملات إزالة التعديات والإشغالات من الشوارع متواصلة ولم ولن تتوقف وتحتاج إلي المزيد من الجهد بالتنسيق مابين الأحياء وإدارة شرطة المرافق, وأضاف بأن توجيهات المحافظ تشدد علي إزالة ورفع كافة الإشغالات من الأسواق قبل بداية الموسم السياحي الشتوي مع تسهيل إجراءات تسكين الباعة الجائلين بالسويقات طبقا للقواعد القانونية المقررة, وشدد عليان علي أن جميع التعديات سوف تواجه بكل صرامة حتي يعود الشارع الأسواني إلي طبيعته. مدير المرافق: فصل المياه والكهرباء عن المخالفين أكد العقيد سامح رضوان مدير إدارة شرطة المرافق بأسوان أنه استعرض خلال الاجتماع مع السكرتير العام خطة الإدارة بالتنسيق مع المحليات, وذلك لتوحيد الجهود من أجل السيطرة علي الأسواق ورفع جميع الإشغالات والعشوائيات, وكذا مراجعة التراخيص المختلفة طبقا للقانون رقم371 لسنة1956 والخاص بالمحال العامة والمعدل بالقانون رقم72 لسنة2016 بشأن مزاولة العمل بدون ترخيص, وقال إنه سيتم فصل مياه الشرب والكهرباء عن جميع المحال المخالفة,بالإضافة إلي أن إنشاء مكتب جديد لشرطة المرافق داخل السوق السياحي بمدينة أسوان باعتباره أحد أهم المزارات بالمدينة.