ونكتشف انه علي مايبدو وحتي الآن, انحصرت نتائج ما قام به الشعب من ثورة علي نظام مبارك في إزاحة هذا النظام من سدة الحكم ومنع التوريث ومحاكمة حاشيته. لكن الثورة الحقيقية علي مفاهيم ومباديء البلطجة والإتكالية وسياسة دعه يمر وغياب المحاسبة والشفافية لم تبدأ بعد, ونظرة سريعة علي ما يجري ستوضح ان مبارك لم يعد موجودا في الصورة ولكن دعائم نظامه ولا اقصد الأفراد, بل الأفكار مازالت تعشعش في رءوس الجميع, فالدولة المصرية التي عاشت في عصر مبارك علي المنح والمساعدات الخارجية, حتي وصل الأمر لتأسيس وزارة خاصة بها, ولم تحاول بعد الثورة ان تجد أسرع ولاأسهل وسيلة للنهوض سوي بالدعوة إلي مساعدة مصر وتجميع الأموال من المؤسسات الدولية, واخواننا الخليجيين وأين نحن من شموخ وكبرياء انديرا غاندي, لم تحاول الحكومة البحث في الحلول المصرية الأصيلة للأزمة سواء بالتقشف او بزيادة الانتاج او ابداعات أخري, وسلكت درب النظام السابق في البحث عن ميزانية الأكل والشرب ورواتب المستشارين والبنود السرية, وانتهي بنا الوضع وكأننا في أحد عروض السيرك, يطلب من المشجعين المعجبين بعرض الثورة ان يرموا حسنتهم في المنديل!! المجلس العسكري اختار الحل الأسهل, المتمثل في حكومة تسيير أعمال مشكلة من بقايا النظام السابق. وظهر ان معايير اختيار الأعضاء هي: ان تكون وزيرا سابقا خرجت بدون سبب في احدي حكومات مبارك, ولم يزج بك بعد في قضايا الفساد, او ان تكون عضوا ناشطا في حزب سياسي مجمد اخرجته الثورة من ثلاجة النضال, علي صفحات جريدة حزبه, وكما كان أحمد نظيف رئيس الوزراء السابق يختار وزراءه من كلية الهندسة جامعة القاهرة, استمر المجلس العسكري علي نفس المنهج. لكنه وسع الدائرة حتي ان هناك وزراء تم اختيارهم في هذه الحكومة علي الرغم من عدم وجود ادني بصمة لهم اثناء تواجدهم في الوزارة الأولي, واخص بالذكر وزير البحث العلمي الذي نظم مؤتمرا وطنيا للبحث العلمي في مايو2005 أقل ما يقال عنه أنه كان مكلمة دعي لها فقهاء البحث العلمي وانتهت بنهاية وجبة غداء اليوم الأخير. وإذا تركنا مسألة اختيار الأفراد سنجد ان الحكومة بدورها سلكت نفس الطريق, فلا نجد في وزارتها اي انعكاس لمفاهيم وقيم ولا حتي شعارات الثورة, فلا وزارة للعدالة الاجتماعية, ولم تخرج وزارة التضامن من وضعها الذي حشرها فيه نظام مبارك, تلهث وراء حل مشكلة انابيب البوتاجاز. ومازال وزير التجارة يلهث وراء استيراد الدقيق والسكر ولم تظهر اي اهتمام بمحاربة الفساد الإداري وتنظيم عمل الشركات.ومازال وزير المالية يحدثنا عن قروض صندوق النقد, حتي وزارة الانتاج الحربي لم يطلها ادني تغيير وظلت بوزيرها الذي اشتهر في الانتخابات الأخيرة, ولا نقصد انه فاسد ولكنه بلا جدال فاز في انتخابات فاسدة. ومازلنا نتحدث عن مطاردة البلطجية, واستتباب الأمن, ولا أدري لماذا لا يطبق القانون علي هذه الفئة ومشعلي الفتنة بعنف. ولماذا لا يقوم وزير الداخلية باستحداث مساعد للوزير لمكافحة اعمال البلطجة والفتنة الطائفية أسوة بمكافحة المخدرات وكلاهما خطر علي المجتمع. لاشك ان هناك شخصيات محترمة في هذه الحكومة, ولكن لا أحد ينكر ان حكومات نظام مبارك كان بها ايضا العديد من الشخصيات المحترمة, واننا لا نختلف علي وطنية اي من هؤلاء الوزراء وعلي حسن نوايا المجلس العسكري, لكن هذه الحكومة ليست ثورية ولم تقم بأي من التغييرات الواضحة علي أرض الواقع. وكي أكون محددا فإنها ليس فقط لم تقم بتأسيس اي جهاز جديد ذي توجهات تتماشي مع الثورة. بل لم تقم بعملية تطهير للأجهزة الحالية. ولم نسمع منها حتي نوايا تنظيم أعمال الأجهزة الحيوية التي تتحكم في كفاءة إدارة الدولة بعد الثورة. فلا جهاز لمحاسبة الفساد والذي مازال طليقا في ربوع مصر. ولا جهاز للتنمية الاقتصادية يضع خطط التوسع في الانتاج. ولم نسمع عن تعديل في السياسة المالية والاعتماد علي الاقتراض لسد العجز, الحق سمعنا فقط عن تغير توجهات السياسة الخارجية لمصر, ولكن سرعان ما تم الاستغناء عن خدمات من تجرأ وقام بذلك. الملاحظات كثيرة توضح ان هذه الحكومة لاتتمتع بأي لمسة ثورية حتي ولو بالخطأ, ويبقي السؤال: هل هذه هي الثورة التي ارادها المصريون يوم ان خرجوا بالملايين إلي الشوارع؟ خبير مصري في التنمية مقيم في البحرين