ورد في نصوص شرعية: أي القرآن الكريم, وما صحت نسبته إلي سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم من أخبار متواترة أو مشهورة لأنها مما تثبت بها العقائد ذكر أوصاف لجزاءات أخروية من جنة وجنات ونار, وينبغي فهم أمور في إطارها الصحيح دون مزايدة ولا تغول, ومما له علاقة وصلة الآتي بيانه: أولا: اختصاص الله عز وجل وحده, وليس غيره بالحكم والإنفاذ الجزاء الأخروي, بمشيئته وإرادته قال الله عز وجل ( ألا له الخلق والأمر)(54 الأعراف). وجه الدلالة: الله سبحانه وتعالي الخالق والمدبر للعالم علي حسب إرادته وحكمته لا شريك له في ذلك. قال الله عز وجل ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصاري والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله علي كل شي شهيد)(17 الحج). وجه الدلالة: بيان لما سيكون عليه حالهم جميعا يوم القيامة, من حكم عادل سيحكم الله تعالي به عليهم. ثانيا: إقرار التنوع الديني السماوي وما يترتب عليه من جزاء أخروي إلهي رباني: قال الله عز وجل ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصاري من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(69 المائدة). وجه الدلالة: الآية الكريمة تبين أن أساس النجاح يوم القيامة هو الإيمان بالله واليوم الآخر, وما يستتبع ذلك من أفعال طيبة وأعمال صالحة, ولا خوف عليهم من أهوال يوم القيامة بل هم في مأمن منها, ولا هم يحزنون علي ما مضي من أعمارهم لأنهم أنفقوها في العمل الصالح, وهي مسومة للترغيب في الإيمان والعمل الصالح. وقال الله عز وجل إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصاري والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون(62 البقرة). وجه الدلالة: إن هؤلاء الذين آمنوا عن تصديق وإذعان, وقدموا العمل الصالح الذي ينفعهم يوم لقائه, هؤلاء لهم أجرهم العظيم عند ربهم, ولا يفزعون من هول القيامة كما يفزع الكافرون, ولا يفوتهم نعيم فيحزنون عليه كما يحزن المقصرون. قال الله عز وجل لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلي الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون(48 المائدة). وجه الدلالة لكل أمة من الأمم الحاضرة والماضية وضعنا شرعة ومنهاجا خاصين بها, ولو شاء الله تعالي أن يجعل الأمم جميعا أمة واحدة تدين بدين واحد وشريعة واحدة لفعل, ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك, وإنما شاء أن يجعلكم أمما متعددة ليختبركم فيما آتاكم من شرائع مختلفة في بعض فروعها, ولكنها متحدة في جوهرها وأصولها, فيجازي من أطاعه بما يستحقه من ثواب, ويجازي من خالف أمره بما يستحقه من عذاب. ثالثا: النص علي احتكار الجزاء الأخروي لطائفة دون طائفة: قال الله عز وجل وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصاري تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين(111 البقرة). وجه الدلالة: بطلان ادعاء الزاعمين أن الجنة لهم خالصة من دون الناس, ولا دليل علي ذلك من كتبهم علي صحة دعواهم وهي خالية مما يدل علي صحتها. وأبطل القرآن الكريم مدعاهم بطريق آخر: إيراد قاعدة الكلية رتبت دخول الجنة علي الإيمان والعمل الصالح بلا محاباة لأمة أو جنس أو لطائفة فقال الله عز وجل بلي من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون(112 البقرة). قال الله عز وجل تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون(141 البقرة). وجه الدلالة: كل نفس يوم القيامة ستسأل عن أعمالها دون أعمال غيرها, كما وضع سبحانه كل امرئ بما كسب رهين. رابعا: مناط المؤاخذة الأخروية التكليف الشرعي: هو طلب الشارع ما فيه كلفة من فعل أو ترك, وهذا الطلب من الشارع بطريق الحكم, وهو الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخير. وتحدث العلماء عن ما يشترط له التكليف من: العقل, البلوغ, بلوغ الدعوة النبوية. وعليه فلا تكليف علي غير العاقل ولا الصغير ولا علي من لا تبلغه الدعوة النبوية علي وجهها الصحيح. ومن ثم اتفق العلماء علي عدم مؤاخذة أهل الفترة وهم من عاشوا بين عهدين لرسولين من رسل الله عليهم السلام , ومن في حكمهم كمن نشأ في شاهق جبل أو جزيرة منعزلة أو في غابات وأدغال, ومن كان بمعزل عن العلماء. قال الله عز وجل من اهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخري وما كنا معذبين حتي نبعث رسولا(15 الإسراء). وجه الدلالة: أن الله تعالي اقتضت حكمته وعدالته, أنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه عن طريق إرسال الرسل عليهم السلام. ولمزيد من إيضاح: معرفة الله عز وجل بالشرع لا بمجرد العقل, أو بالعقل وحده. إن بلوغ الدعوة النبوية في عهد النبي أو الرسول عليه السلام منه مباشرة أو من يرسله أو يرسلهم في حياته عليه السلام أو بعد موته فمن كانت رسالته عامة كالنبي الرسول محمد صلي الله عليه وسلم فهذا علي عاتق علماء دعوته, قال الله عز وجل ( قل هذه سبيلي أدعو إلي الله علي بصيرة أنا ومن اتبعني(108 يوسف), ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن(125 النحل). تأسيسا علي ما ذكر الجزاء الأخروي لله عز وجل وحده, وإخباره بوعيد وتهديد عن أي أحد لا يستلزم تحقيق وعيده, فالقاعدة عند علماء العقيدة, أن الكريم إذا وعد حقق وعده, وإذا أوعد أخلف وعيده. والحكم الفيصل يوم القيامة, وليس لأحد مهما يكن أن يصدر حكما ضد آخر بثواب أو عقاب, أو بجنة أو نار, فله جل شأنه الأمر والخلق. إن النجاة في الدنيا بقدر الله تعالي ومشيئته, وليس لطائفة دون طائفة, ولا يحتكر أحد نجاة أو ربحا أو خسرانا, فمرد ذلك إلي الله وحده, ولم يفوض سبحانه أحدا للوكالة عنه في اختصاصه بمصير خلقه, ولا الوصاية من دونه بمنح أو منع, والأولي بل الإنسان علي نفسه بصيرة(14 القيامة). ولا يعارض ما ذكر من محكم القرآن من منسوخ قرآني, أو أخبار آحاد, أو رؤي اجتهادية بشرية تطرح كلها ويعمل بالنص الإلهي القرآني المحكم.