أبرز الأمثلة وأشدها وضوحا للصبر عن معصية الله, صبر يوسف عليه السلام علي مراودة امرأة العزيز, لقد كان الصبر ظهير يوسف في محنته التي ابتلي بها اضطرارا واختيارا وكشف عن هذا حين عثر إخوته عليه فقال:( أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين)), لقد رفض كل العروض والإغراءات وخرج من الفتنة بإيمانه وصبره, وكان صبره هذا أرقي من صبر أبيه يعقوب علي الفراق وأرقي من صبر أيوب علي ما بلي به لأن صبرهما كان اضطراريا لا حيلة لهما في رفعه ولا دفعه بينما كان صبر يوسف اختيارا وحين تملك فلم يتكبر ولم يطغ صبرا اختياريا, يقول ابن القيم نقلا عن شيخه ابن تيميه رحمهما الله: كان صبر يوسف عن مطاوعه امرأة العزيز علي شأنها أكمل من صبره علي إلقاء إخوته له في الجب وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه, فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره لا كسب له فيها, ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر, وأما صبره عن المعصية فصبر اختيار ورضا, ومحاربة للنفس, ولا سيما مع الأسباب التي تقوي معها دواعي الموافقة: 1 فإنه كان شابا, وداعية الشباب إليها قوية. 2 وعزبا ليس معه ما يعوضه ويرد شهوته. 3 وغريبا, والغريب لا يستحيي في بلد غربته مما يستحيي فيه بين أصحابه ومعارفه وأهله. 4 ومملوكا, والمملوك أيضا ليس وازعه كوازع الحر. 5 والمرأة جميلة وذات منصب, وهي سيدته. 6 وقد غاب الرقيب. 7 وهي الداعية إلي نفسها والحريصة علي ذلك أشد الحرص. 8 وتوعدته إن لم يفعل بالسجن والصغار. ومع هذه الدواعي كلها صبر اختياريا وإيثارا لما عند الله, وأين هذا من صبره في الجب علي ما ليس من كسبه1 ه. لقد ضحي بدنياه من أجل دينه, وبحريته من أجل عقيدته, وقال قولته المشهورة:(( رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه, وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)). ولما أفرج عنه من السجن الطويل واستدعي لمقابلة الملك, لم يستفزه هذا الخبر بل طلب التحقيق في القضية حتي تظهر براءته علي الملأ وحدث ذلك فعلا وعند ذلك ازداد إعجاب الملك به فقال ائتوني به أستخلصه لنفسي وكان في المرة الأولي قال(( ائتوني به)), فقط(( فلما كلمه قال: إنك اليوم لدينا مكين أمين)).