لا تزال نتائج الاستفتاء علي انفصال إقليم كاتالونيا تلقي بظلالها علي الأوضاع في الشارع الإسباني الذي يشهد حالة من الهدوء الحذر, في وقت تنبأ فيه المحللون أن البلاد علي أعتاب حرب أهلية طاحنة مثيلة للحرب التي اندلعت قبل منتصف القرن الماضي, وأدخلت البلاد حقبة غاية في الصعوبة حتي تأسيس الملكية البرلمانية عام.1975 فمن جانبها, ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية أمس أن رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي فعل- في أعقاب الاستفتاء علي انفصال إقليم كاتالونيا بشمال البلاد- ما وصفه المنتقدون بأنه أفضل ما يمكن فعله, وهو الانتظار لرؤية ما ستئول إليه الأحداث وعدم الرد بشكل فوري. وفي الوقت الذي أكد فيه رئيس حكومة إقليم كتالونيا, كارليس بيجديمونت أن الانفصال سيجري خلال الأيام القليلة المقبلة, دعت أحزاب المعارضة جميعها إلي اتخاذ فعل فوري; حيث دعا الحزب الاشتراكي لإجراء حوار جديد مع برشلونة, كما علقت الحكومة الإسبانية مؤكدة أن راخوي يدرس خيارات بشأن ما يجب فعله خلال الفترة المقبلة. ويري المحللون أن راخوي ليس ممن يتخذون قرارات سريعة.. وألقوا باللوم عليه في عدم التصرف مبكرا منذ طرح مسألة إجراء الاستفتاء والسماح للعملية بأن تصل إلي نقطة الغليان, حتي قالت عنه وسائل إلاعلام: إنه تصرف بشكل سيئ ومتأخر.. تماشيا مع ميله للسماح للمشاكل بأن تتفاقم. ولم يعد أمام راخوي سوي الانتظار لرؤية ما سيحدث وقد يكون هذا هو الخيار الوحيد المتاح في الوقت الحالي, رغم أن رئيس الوزراء الإسباني لديه في ترسانته سلاحان سياسيان: ولكن كلا منهما غير محبذ استخدامه علي الأقل حتي الآن. وتتمثل تلك الأسلحة في تفعيل المادة155 من الدستور الإسباني لوقف انفصال كاتالونيا, وهو ما يسمح للحكومة المركزية بإدارة المنطقة شبه المستقلة عن مدريد, إلا أن السؤال هنا هل ستلجأ مدريد إلي هذا الخيار ومن ثم قد يثير أزمة دستورية وسياسية كبري. وحتي في حال اللجوء إلي هذا الأمر, فإن راخوي سيكون في حاجة إلي دعم الحزب الاشتراكي المعارض, الأمر الذي قد لا يحصل عليه. أما عن السلاح السياسي الآخر, فيتضمن العودة إلي طاولة المفاوضات مع الحكومة الكاتالونية. ولكن مجددا, يظل راخوي مقيدا. وهذا يعود جزئيا إلي حقيقة أن مؤيديه من اليمين الوسط أعلنوا صراحة عن غضبهم من استقلال كاتالونيا وتحديها للسلطات الإسبانية, كما أن المفاوضات علي منح الاستقلال التام لكاتالونيا تعد ببساطة خطا أحمر بالنسبة لمدريد. وتعد منطقة كاتالونيا أحد أكثر الأقاليم الإسبانية ثراء, وهي منطقة صناعية ذات نزعة استقلالية وتعتز بهويتها ولغتها الخاصة, ويقع الإقليم في أقصي شمال شرق إسبانيا, بينما يعيش أغلب سكانه في عاصمته برشلونة التي تمثل مركزا اقتصاديا وسياسيا مهما فضلا عن أنها نقطة جذب سياحية تحظي بشعبية كبيرة.