الليل يقترب من نهايته, وقد اكتست شوارع الحي الشعبي بهدوء لن يدوم طويلا, ظنت الجدة أنها قد تغفو قليلا, لكن الساعة البيضاء الدائرية المعلقة فوقها علي الحائط تدق, بانتظام ممل وبلا هدف, سيمر الوقت إن دقت أو توقفت, لكنها أبدا لا تمل ولا تتوقف, فقط تزعج الجدة نصف النائمة علي فراش مهترئ يتموضع فوق بلاط الأرضية البارد, المليء بالأخاديد الصغيرة والحفر التي خلفها الزمن, ضوء أصفر باهت ينبعث من الممر الصغير بين الغرفتين الضيقتين في الأولي ينام ابنها وزوجته وطفل رضيع, وفي الثانية ينام حفيداها الصغيران, أما هي فهذا مكانها, بعدما ينام الجميع تتكور في صالة الشقة الصغيرة, تتوسد كفيها وتغمض عينيها ولا تنام. حاولت السيدة أن تعدل من وضعها فاصطدمت قدمها فجأة بأحد المقاعد وبالكاد أمسكت نفسها حتي لا تصرخ متألمة, اعتادت زوجة ابنها أن تحرك المقعد من مكانه وتضيق عليها وتنتحل لذلك أسبابا متعددة, احتبست الدموع في عيني الجدة وتسربت إلي أنفها وحلقها فانتباتها نوبة سعال حادة, جلست لتلتقط أنفاسها وأسندت ظهرها إلي الحائط الصلب, مصابة هي بحساسية مزمنة في رئتيها وقد ألفت نوبات السعال خاصة في الليل, عادت تسعل بشكل متقطع, كانت تشعر بثقل علي صدرها وانقباض يحبس أنفاسها التي كانت تلتقطها بصعوبة مصدرة صفيرا مزعجا كأنه احتكاك عجلات قطار علي قضبان صدئة. سمعت بكاء حفيدها الرضيع قادما من غرفة أبويه وجاءها صوت أمه يتذمر شاكيا, كانت الأم تقول كلاما كثيرا لم تستطع الجدة أن تسمعه لكنها كانت تعرف بقلبها ماهيته, لم تمر سوي دقيقة حتي سمعت صوت ابنها يكلم امرأته, ربما يلومها علي تذمرها, تداخلت الأصوات وعلت الهمهمة, سعلت الجدة مرة أخري, صرخ ابنها من علي سريره أن تتوقف, سمعته بوضوح يشكو عدم استطاعته النوم حتي في بيته. تتساءل الحاجة سهير في نفسها, كيف هو بيته؟ إنه بيتها من قبل أن يولد, عاشت فيه حياتها كلها, تزوجت في هذه الشقة الصغيرة, وأنجبته فيها, سهرت بجواره وهو مريض, وهو يذاكر دروسه, وانتظرته قلقة وهو يلهو مع أصدقائه, وعندما مات أبوه, وأراد هو أن يكمل نصف دينه ويكون أسرة طلبت منه أن يبقي معها, تركت له غرفتها ليتزوج فيها ونقلت أثاثها القليل إلي الغرفة الأصغر, وعندما أنجب أخذت أبناءه ليناموا معها في غرفتها, ولم يمض وقت طويل حتي وجدت نفسها تنام في صالة البيت. كانت تعرف أن زوجة ابنها لا تحبها, ولا ترغب في بقائها معها, رغم أنها اعتبرتها بنتها, ولم تسئ معاملتها في يوما من الأيام, وعندما كان يحدث خلاف بينها وبين ابنها كانت تقف في صفها, وتدافع عنها, لكن الزوجة, وقد أنجبت البنين والبنات أصبحت تري نفسها صاحبة المكان, وتري حماتها ضيفة ثقيلة, ويا ليتها ضيفة؟! فالضيف يعامل بالحسني وبالمعروف, اعتبرتها غريبة لا حق لها في الوجود في حياتها وحياة زوجها وأبنائها, متناسية أنها أم زوجها وجدة وأبنائها, والأشد ألما هو موقف ابنها, لقد انحاز بالكلية إلي زوجته, أصبح عاقا بأمه, يتأفف منها ويتمني لو ترحل من حياته. تعيش السيدة سهير, وهي أرمل عجوز, مريضة بحساسية مزمنة في الصدر, في قلق وخوف, مع ابنها وزوجته في شقة صغيرة بالدرب الأحمر, وتعاني كره زوجة ابنها, ومعاملتها القاسية لها, ومحاولتها الدائمة لطردها من الشقة وإخراجها من حياتها, ولا تجد من ابنها سوي الجحود والميل ناحية زوجته, وتهديدها الدائم بطردها وإلقائها في الشارع. تناشد السيدة سهير بسيوني إبراهيم, الدكتور مصطفي مدبولي وزير الإسكان, والمهندس عاطف عبدالحميد محافظ القاهرة, منحها شقة من المخصصة للحالات الأولي بالرعاية, رفقا بها وبسنوات عمرها, وصيانة لها من الخوف والقلق, وحماية لها من سوء المعاملة والحجود اللذين تلقاهما من ابنها وزوجته.