لقد خلق الله الإنسان عاقلا وحمله أمانة الاختيار وهو قادر بإرادة خالقه علي التمييز بين المتناقضات وإعمال العقل, وهذه الصفة العظيمة التي سمت بالإنسان فوق كل المخلوقات. ليست هبة من أحد غير الله وليس من حق أحد بالتبعية أن يحرمه هذه الميزة ومادام الله حكم ووهب فليس من حق أحد من البشر تحت أي مسمي دينيا كان أو دنيويا أن يكبت هذه الحرية في التفكير والاختيار. وحاولت بعض الايديولوجيات والحكومات منع حرية البشر في التفكير والاختيار وقصرت ذلك علي نفسها بحجة أن ذلك يعد ضد مصلحة المجتمع والدولة وهم يفعلون ذلك لا لشيء إلا لحماية سلطتهم ومصالحهم وهو ما أدي في النهاية إلي سقوط هذه الايديولوجيات والحكومات. إن النقد البناء والحرية المسئولة والأفكار الجديدة حتي ان بدت لنا ضد ما نعتقد هي الضمان الحقيقي لحيوية المجتمع وتجديد شبابه لقدرتها علي سد الثغرات التي تطرأ علي كيان أي نظام مجتمعي من خلال كشف نقاط الضعف وبؤر الفساد ومواضع العلة في الجسد بحيث يتم علاجها أولا بأول. والتاريخ أعطي التجارب العملية التي أثبتت أن كبت الحريات والقمع ومنع الإنسان من التفكير والتعبير والإبداع بأي حجة كانت وتحت أي مسمي تعد جريمة في حق الإنسانية ووصاية بغيضة من بني البشر علي بعضهم مرة بحجة الدين والدين منها براء وما هي إلا تسلط بشري يلبس قناعا دينيا حتي يكسب القدرة علي الكبت والمنع بتفويض إلهي لا صد له ولا رد. وقديما في العصور الوسطي تحكمت الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا وحالت بين حرية التفكير الابداعي وإعمال العقل, وأحرقت الفلاسفة والمفكرين والعباقرة وأدي ذلك إلي الانحطاط والتخلف وخلقت مجتمعا فقيرا من الخائفين بينما تنعم القساوسة في الذهب والحرير ولولا الثورة الفكرية التي انقذت أوروبا في عصر النهضة لاستمرت عصور الظلام إلي اليوم. كما استبد الحجاج ويزيد والمماليك والعثمانيون وقطعوا الرءوس وعاثوا في الأرض فسادا باسم الدين فأفقروا الشعوب العربية بعدما حولوا سماحة الإسلام وعدله إلي قوالب جامدة جعلت الناس كالانعام. وأنا لا اعترض علي أي أفكار سواء اتفقت معها أو اختلفت لكن لا يجب أبدا أن تكون الأفكار قديمة كانت أو حديثة مانعة ومفرملة للعقل البشري في التفكير والتعبير فالقديم ليس مقدسا إذا كان ضد صحيح الدين والمنطق السليم. إن منطقتنا العربية التي تعيش الأن ربيع التغيير في حاجة ماسة إلي اطلاق العنان لحرية الفكر والمعتقد دون وصاية لأن ما سيبقي هو ما ينفع الناس سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحسبنا من الأفكار السيئة والمتطرفة التي ستطرح انها ستغربل وتستبعد في ظل نقاش صحي حر وديمقراطية رشيدة وستبقي الأفكار الايجابية. وفي ظل ما نعيشه الآن يجب علينا أن نربي أبناءنا علي حرية التعبير والتفكير والقدرة علي الاختيار وليس علي التلقين والتخويف والقهر وفرض الوصاية فالأول صنع حضارات سادت العالم واخرجت للعالم اينشتاين وزويل والثانية صنعت الحجاج وصدام ومبارك والقذافي. د.صيدلي إبراهيم بسيوني ناشط في مجال حقوق الإنسان