في نيويورك, وعلي هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة, ترقب السوريون أن ينتج عن الاجتماع الخاص الذي ضم مندوبي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن مبادرة جديدة أو ملامح لتوافق بينها علي خريطة طريق لوقف الحرب السورية, لكن كل ما صدر عن هذا الاجتماع قضايا تتعلق بالشأن الإنساني لا علاقة لها بالحلول السياسية والعسكرية, كما لم ينتج عن زعماء الدول الكبري سوي تصريحات متحمسة لكنها بلا مضمون. الاجتماع الذي دعت له فرنسا كان يهدف لحث الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن علي إنشاء مجموعة اتصال, أساسها الدول الأعضاء في مجلس الأمن والأطراف الإقليمية المتأثرة بالوضع; لإنهاء الصراع المستمر منذ قرابة سبعة أعوام, وفق مبادرة عمل عليها الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون. ماكرون كان قبل هذا الاجتماع بيوم معاد للرئيس السوري بشار الأسد, كعادة السياسية الفرنسية منذ انطلاق الثورة السورية عام2011, وقال إن الشعب السوري هو الذي يملك الحرية في اختيار قائده المقبل, معتبرا أن بشار الأسد مجرما وتجب محاسبته علي جرائمه, لكنه أضاف من منطق براجماتي, لم أجعل تنحيه شرطا مسبقا, وهذا التصريح يعكس جوهر المبادرة التي قدمتها فرنسا للدول دائمة العضوية بمجلس الأمن, أي مبادرة ترضي الأسد لأنه سيبقي خلال المرحلة الانتقالية وترضي المعارضة لأنها ستضمن مغادرة الأسد بعد المرحلة الانقتالية. حاولت المعارضة السورية, التي دعيت بشكل رسمي لحضور اجتماعات الجمعية العامة, أن تستثمر هذا الملتقي الدولي المهم لحشد مواقف دول فاعلة في سوريا, بشأن الدعوة لتطبيق بيان جنيف1 الذي يضم تغيير النظام السياسي ويسلم شئون الحكم لهيئة حاكمة انتقالية من المعارضة والنظام ذات صلاحيات كاملة. وقال رياض حجاب, المنسق العام للهيئة العامة للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية, عن المبادرة الفرنسية: إنها تكسر محاولات القوي الحليفة للنظام لاحتكار صياغة الحل السياسي وفق أطماعهم التوسعية وأجندات مد نفوذهم عبر الحدود, وسعي إلي ترويجها بين دول أصدقاء سوريا التي تدعم مطالب المعارضة السورية دوليا. لكن الاقتراح الفرنسي بإنشاء مجموعة اتصال دولية لدفع مفاوضات الحل السياسي في سوريا, قوبل ببرود أمريكي, إذ لم تبد واشنطن تفاعلا مع المقترح الفرنسي, ورغبة الولاياتالمتحدة بإبعاد الدور الإيراني, علي الأقل ظاهريا, جعل فرص المبادرة محدودة, أو بالأدق قضي علي فرص تمريرها. ولملء الفراغ, سارع وزير الخارجية الفرنسي ريكس تيلرسون, لعقد اجتماع, لمدة يومين, ضم وزراء خارجية ست عشرة دولة, بينها بريطانياوفرنسا وألمانيا وكندا, وقطر والسعودية والأردن ومصر, إضافة لممثلة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موجريني, ووكيل أمين عام الأممالمتحدة للشئون السياسية جفري فلتمان. وقال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدني دايفيد ساترفيلد, بعد هذا الاجتماع: إن الوزراء اعتبروا أن العمل العسكري والأمني وحده قد يؤدي إلي انخفاض العنف, لكنه لن ينتج سوريا مستقرة, معتبرا أن الوصول لسوريا مستقرة, يتطلب عملية سياسية ذات صدقية تعكس إرادة غالبية السوريين. وخلص الأمريكيون إلي بلدهم لا تري أن الأسد سيبقي في نهاية العملية السياسية لأنه خسر شرعيته وحقه في الحكم, ولكن هذا برأيهم قرار يعود إلي الشعب السوري, وهو نتيجة العملية السياسية وعلي هذه العملية أن تبدأ في أسرع وقت لكي نصل إلي سوريا غير مقسمة ومستقلة, وحيث لا يعمل وكلاء لأي دولة خارجية فيها, إيران وسواها, وهذا ما توافق عليه كل المشاركين في الاجتماع بمكتب وزير الخارجية الأمريكي بمدينة نيويورك. بدا الموقف الأمريكي مماثلا لما ذهب إليه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون, الذي أكد أن بلاده تعتبر أن السبيل الوحيد للمضي قدما في سوريا هو تسيير العملية السياسية وأن توضح المجموعة الدولية للإيرانيين والروس ونظام الأسد أنها لن ندعم إعادة بناء سوريا حتي تكون هناك عملية سياسية, وأن الانتقال السياسي يجب أن يكون بعيدا عن الأسد. هذه التصريحات والنتائج قد تكون مرضية للمعارضة السورية, ومرضية لدول كثيرة ليست داعمة للنظام السوري, لكن لا أحد يعرف مدي جدية الولاياتالمتحدة في دعم هذه الفكرة وتحويلها لبرنامج عمل واضح ومباشر وإلزامي علي الأرض, خاصة في ظل ست سنوات من السلبية الأمريكية وعدم الاكتراث بوضع حد للمأساة السورية التي أودت بأكثر من نصف مليون قتيل وفق أقل التقديرات الدولية. ورغم أن الرئيس الفرنسي ووزير خارجيته, وكذلك وزير الدفاع الأمريكي, قد قللوا من أهمية اجتماعات أستانا التي يرعاها الروس, وقالوا إنها لن تجلب السلام والأمن لسوريا, ولن تكون الحل, إلا أن الرئيس الجديد للجمعية العامة للأمم المتحدة ميروسلاف لايتشاك قال إن مفاوضات أستانا حول سوريا أصبحت خلاصا حقيقيا من وضع حرج, وأشاد ب الدور البناء لأستانا في الشئون الدولية, وقبل كل شيء في تسوية النزاعات ونزع الأسلحة. وأيضا علي هامش اجتماعات الجمعية العامة, جدد وزيرا الخارجية الروسي سيرجي لافروف والأمريكي ريكس تيلرسون, التزام بلادهما بتخفيض مستوي العنف في سوريا وتجنب وقوع صدامات أثناء تنفيذ عمليات قتالية في البلاد, وعلي إيجاد الظروف المواتية لتحريك عملية جنيف وفقا لقرار2254 لمجلس الأمن الدولي. لكن لافروف قال إن تواجد القوات الأمريكية في سوريا لم يجر بناء علي طلب من الحكومة السورية, وأضاف مع اعتراف الجميع بواقع وجود التحالف الأمريكي في سوريا, إلا أنه لا يزال ضيفا غير مدعو إلي هناك. يحاول الروس الاستناد إلي هذه المقولة لتبرير تدخلهم في القضية السورية, ومنع الآخرين من ذلك, علي اعتبار أن النظام السوري قد وقع عقدا يبيح فيه لروسيا التصريف بقواعد عسكرية برية وبحرية وجوية في سوريا لمدة50 عاما, ورغم أن به العديد من الشروط المجحفة بحق الدولة السورية, إلا أن الروس والنظام السوري يرونه الذريعة الرسمية لتبرير تحالف الطرفين في سوريا, ويبرر استقواءهما ببعض. علي هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة, التقي وفد من الهيئة العليا للمفاوضات, بالرئيس الفرنسي مانويل ماكرون, وأثني حجاب علي المبادرة الفرنسية الأخيرة التي من المفترض أن تكون فرنسا بصدد عرضها علي مجلس الأمن, والتي تقضي بتشكيل لجنة اتصال من الدول الخمس دائمة العضوية, واعتبر أنها تكسر محاولات القوي الحليفة للنظام احتكار صياغة الحل السياسي وفق أطماعهم وأجنداتهم. وخلال اجتماعات الجمعية العامة, أظهرت فرنسا من جديد تشددا ضد النظام السوري ورأسه, وقلبت الطاولة علي من اعتقد أن فرنسا تغير موقفها وتوافق علي بقاء الأسد; حيث قال الرئيس ماكرون إن بشار الأسد مجرم, يجب أن يحاكم ويحاسب علي جرائمه أمام القضاء الدولي, وبرأ نفسه من تصريحات سابقة تحابي استمرار الأسد بالسلطة, وقال من منطق براجماتي, لم أجعل من تنحيه شرطا مسبقا, مشددا علي أن هذا الأمر يعود إلي الشعب السوري أن يختار بحرية قائده المقبل. في نيويورك, قللت فرنساوالولاياتالمتحدةوبريطانيا من أهمية اجتماعات أستانا ونتائجها, وأكدت أن المرجعية الأساسية لحل القضية السورية هي مرجعية بيان جنيف والقرارات الدولية المرفقة والمرتبطة به, وليست اجتماعات أستانا التي رأت أنها هامشية ولن تستطيع فرض حل حتي لو استطاعت تغيير بعض الوقائع العسكرية علي الأرض. هذه الوقائع العسكرية كانت دير الزور في شرق سوريا ساحتها الأبرز; حيث يتنافس عليها تنظيم الدولة الإسلامية وقوات النظام السوري والميليشيات الرديفة لها, والقوات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي( قوات سوريا الديمقراطية), مع دعم يحوز عليه كل طرف, سواء أكان من قبل روسيا أو أمريكا أو إيران, ومن الواضح أن أي طرف لا يستطيع التفرد في دخول دير الزور ويناور حولها وفي بعض أطرافها, ربما انتظارا لتوافق علي هذه المنطقة الحساسة بين الدولتين الكبريين روسياوالولاياتالمتحدة. وتكتسب معارك دير الزور أهمية كبيرة كونها ستحدد مناطق النفوذ الدولية والإقليمية علي جانبي الحدود العراقية- السورية, وسترسم إلي حد كبير ملامح الشرق الأوسط الجديد, ومستقبل المشروع الإيراني فيه, ومستوي الاهتمام الأمريكي في المنطقة, وحدود التساهل مع الأكراد, والدور المتوقع للحشد العشائري السني في المنطقة, وفي الغالب ستحمل معارك دير الزور في طياتها مزيدا من التعقيدات الدولية والإقليمية.