لا يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أحكم قبضته علي مقاليد الحكم في الولاياتالمتحدةالأمريكية رغم مضي نحو ثمانية أشهر علي دخوله البيت الأبيض, فمعظم ما أعلنه ترامب أثناء وعقب حملته الإنتخابية لم يتمكن من تنفيذه, سواء المتعلق بالمهاجرين الذين رأي أنهم مشكلة يجب معالجتها بالطرد أو إقامة سور علي الحدود مع المكسيك كما لم يتقرب من روسيا التي قال إنها يمكن أن تصبح شريكا للولايات المتحدة في معالجة القضايا الدولية, ولم يستطع إلغاء مشروع أوباما للتأمين الصحي, واكتفي بإدخال بعض التعديلات عليه, كما تراجع عن فكرة إلغاء الحلف الناتو والأممالمتحدة والاتفاقات الاقتصادية مع كنداواليابان والصين. ظل ترامب تحت مقصلة إتهامات بالتواطؤ مع روسيا في التأثير علي الإنتخابات الأمريكية, وهو اتهام لم يسبق أن تعرض له رئيس أمريكي, وظلت الصحافة ومحطات التلفزيون تواصل حملتها علي ترامب, وانطلقت مظاهرات في عدة ولايات تطالب بعزله وتتهمه بالعنصرية, وبلغت حد الإشتباكات العنيفة مع الشرطة وأنصار ترامب, حتي أنه وجد مظاهرة تندد بسياساته وهو يلقي خطابه باسم الولاياتالمتحدة في مقر الأممالمتحدة. ظهر ترامب وكأنه ليس بطة عرجاء فقط وإنما مصابة في جناحيها أيضا, لا تستطيع المشي أو التحليق أو السباحة, وهو ما تجلي في عجزه عن اتخاذ قرارات وسياسات واضحة, ويكتفي بالصراخ فقط, سواء في موقفه من الاتفاق النووي مع إيران أو الصراع في سوريا أو التجارب النووية لكوريا الشمالية أو النزاع القطري مع الدول العربية الأربع, ليبدو أن الانقسام داخل الإدارة الأمريكية قد أحدث شللا يصعب فيه اتخاذ مواقف واضحة وحازمة سواء في القضايا الدولية أو المحلية, وأدي الارتباك الأمريكي إلي ابتعاد أوروبا عن السياسات الأمريكية, بل وانتقاد سياساتها بحدة غير مسبوقة, خاصة من جانب ألمانيا وفرنسا, بينما اهتزت الثقة مع حلفاء آخرين في الشرق الأوسط, أما كوريا الشالية فقد تحدت وتجاوزت كل الخطوط الحمراء التي حاولت واشنطن وضعها, وواصلت تجاربها الصاروخية والنووية, بل وإطلاق الصواريخ البالستية من فوق اليابان وكوريا الجنوبية والقواعد العسكرية الأمريكية. لم يشفع لترامب أنه استجاب لكل مطالب وزارة الدفاع الأمريكية, وبدلا من خفض التواجد العسكري الأمريكي في الخارج حسب برنامجه الإنتخابي فقد رفع الإنفاق العسكري إلي700 مليار دولار, وتعهد بتطوير الجيش الأمريكي, وكذلك أصدر قرارات بمعاقبة روسيا وتأزمت العلاقات معها إلي درجة غير مسبوقة منذ الحرب الباردة, وتم طرد متبادل للدبلوماسيين وإغلاق قنصليات روسية في الولاياتالمتحدة, بينما كان يعد بعلاقة قوية مع موسكو. لا يبدو أن دوائر صناعة القرار في الولاياتالمتحدة يمكن أن تغفر أو تقبل أن يصل إلي الحكم شخص من خارجها, حتي لو نجح في انتخابات ديمقراطية, وتراجع عن الكثير من بنود برنامجه الانتخابي, فمن يملك صناعة القرار وتحديد المرشحين مجموعة من رجال الصناعة والمال والإعلام, وفي مركزها شركات السلاح والبترول والبنوك, ولها تأثيرها القوي علي النخبة السياسية, التي تعبر عن مصالح هذه الشركات, وبالمقابل تدفع لهم أموال الحملات الانتخابية, وتروج لهم في الصحافة ومحطات التلفزيون وجميع دوائر التأثير في الرأي العام, هنا قلب صناعة القرار, الذي لا يمكن اختراق جدرانه الفولاذية, لكن ترامب فاجأ الجميع بالفوز في جميع مراحل الإنتخابات, ولم تصدق كل التنبؤات التي توقعت فوزا سهلا لكلينتون, ليدخل ترامب البيت الأبيض, لكن ذلك لا يعني أنه قادر علي إدارة الولاياتالمتحدة بالصورة التي يريدها, وقد جرب محاولة تنفيذ برنامجه, ووجد أنه مهدد بالمحاكمة والخلع, وحتي يستمر علي مقعد الرئاسة عليه أن يمتثل للسياسات التي تضعها القوي الحقيقية المحركة والصانعة للقرارات, وهو الدرس الذي يبدو أن ترامب قد تعلمه, لكن لا يبدو أن صناع القرار الحقيقيين قد استوعبوا حجم الأزمة الأمريكية وضرورات التغيير.