قال الصحفي البريطاني روبرت فيسك, مراسل صحيفة الاندبندنت في الشرق الأوسط, انه لفهم هذه المنطقة يجب أن يحمل المرء معه كتابا في التاريخ كلما جاء لزيارتها; يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة لأزمة كوريا الشمالية التي بدأت تتصاعد حاليا لتهدد بحرب نووية مدمرة. لفهم هذه الأزمة وأسباب تصاعدها وتورط اليابان مع الولاياتالمتحدة يجب أن نقوم بزيارة التاريخ ليس بالبعيد. إن التاريخ بين كوريا واليابان يعود الي عام1871, حينما قامت اليابان بوضع كوريا تحت حمايتها من أجل تحقيق طموحاتها الاقتصادية والعسكرية. وفي عام1901 أصبحت كوريا محتلة من اليابان. ومثل كل سياسات المحتل, فرق تسد, قامت اليابان بالتفريق بين الشعب الواحد, فانقسم الشعب الكوري بين الأغنياء والفقراء; بين الطبقات الارستقراطية وأصحاب الاراضي التي تحظي بكل الامتيازات, وبين الفلاحين الأغلبية. وعلي مدي ثلاثين عاما قامت اليابان بممارسة سلطتها كمحتل, فكانت تتعامل مع الطبقات الغنية والانتهازيين منهم لحكم سيطرتها علي البلاد والاستحواذ علي ثرواتها; وحكمت الشعب بالحديد والنار; فيقص التاريخ كما هائلا من البشاعات التي مارستها اليابان ضد الشعب الكوري خاصة ضد المقاومة الكورية التي تعرضت لقمع وحشي, فقامت القوات اليابانية بقتل اكثر من سبعة آلاف متظاهر سلمي في أول مظاهرة سلمية للشعب الكوري في عام.1919 وفي الثلاثينيت فرضت اليابان علي الرجال من الكوريين العمل بالسخرة, وأجبرتهم علي الالتحاق بالجيش الياباني; بينما أجبرت اكثر من200 الف امرأة كورية وصينية للعمل كعاهرات للجنود اليابانيين الذين يحتلون بلادهم. وفي نفس الوقت حرصت اليابان علي طمس ثقافة ولغة كوريا, وحكمت علي الكوريين بتغيير أسمائهم الي أسماء يابانية. مع الحرب العالمية الثانية وهزيمة اليابان في الحرب, تحررت كوريا أخيرا من القبضة اليابانية; ولكن فقط لكي تقع في القبضة الأمريكية. في ذلك الحين تبلورت المقاومة الكورية علي رأسها كيم ايل سونج ذو التوجه اليساري; وبعد الحرب والتحرر من اليابان بدا نظام وبرنامج كيم ايل سونج هو أفضل بديل للنظام الاجتماعي السابق الذي يميز الطبقة الارستقراطية ورجال الاعمال. ولكن ضاعت كل الاحلام الوردية عندما قررت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في عام1948 استعادة سياسة فرق تسد وقامت بتقسيم كوريا الي شمال وجنوب, الجنوب احتلته الولاياتالمتحدة والشمال تسلمه الاتحاد السوفيتي. وسمحت موسكو لكيم ايل سونج أن يصبح حاكما لكوريا الشمالية. لم تتوان أبدا واشنطن عن إبداء عدائها لكوريا الشمالية, وفرض الحصار عليها, الآن تحاول الولاياتالمتحدةواليابان التعلل بأن موقفها المعادي من كوريا الشمالية هو محاولة للدفاع عن النفس, بينما في الحقيقة هي محاولة للاستفزاز المستمر, وقيام كوريا الشمالية بإطلاق صواريخ موجهة لليابان هي رد كوريا الشمالية علي التدريبات المشتركة التي تقوم بها القوات الامريكيةواليابانية والكورية الجنوبية في كوريا الجنوبية, والتي تحاول من خلالها بث الخوف والقلق لدي الشمال. ولكن ما يجب أن تأخذ كل من الولاياتالمتحدةواليابان في اعتبارهما أن الوضع في المنطقة وفي العالم اختلف اليوم عن الخمسينيات; فان روسيا تجد في الصين حليفا في كوريا الشمالية, والذاكرة الصينية لاتزال تحمل آلام سنوات طويلة من البشاعات التي ارتكبتها اليابان ضدهم في الحرب الصينيةاليابانية الأولي وخلال الحرب العالمية الثانية, والتي راح ضحيتها ما بين3 ملايين و14 مليونا من المدنيين الصينيين والآسيويين بسبب المذابح والاختبارات البشرية والتجويع والسخرة, وهي كلها جرائم حرب ارتكبتها اليابان ضد الصينيين. ولاتزال الصين تطالب اليابان بالاعتذار عنها, ومازالت اليابان ترفض.