إذا أتي الشتاء.. وحركت رياحه ستائري.. أحس يا صديقتي.. بحاجة إلي البكاء.. علي ذراعيك.. علي دفاتري.. بمثل هذه الطريقة يزور الشتاء نزار قباني, فيدفعه للبكاء علي الدفاتر.. فيما يطرق أبواب صلاح عبد الصبور حاملا رائحة الموت والوحشة.. ينبئني شتاء هذا العام.. أن ما ظننته شفاي كان سمي.. وأن هذا الشعر حين هزني أسقطني.. ولست أدري منذ كم من السنين قد جرحت.. لكنني من يومها ينزف رأسي.. وقد أموت قبل أن تلحق رجل رجلا.. في زحمة المدينة المنهمرة.. أموت لا يعرفني أحد.. أموت لا يبكي أحد.. أما الشاعر السوري محمد الماغوط فيثير الشتاء فيه لوعة العشق وهجر الحبيبة.. غدا يتساقط الشتاء في قلبي.. وتقفز المتنزهات من الأسمال والضفائر الذهبية.. وأجهش ببكاء حزين علي وسادتي.. وأنا أرقب البهجة الحبيبة.. تغادر أشعاري إلي الأبد. أستاذ الأدب العربي الشاعر الكبير محمد عبدالله يربط بين الذائقة الشعرية وتعاقب الفصول فهو يري أن الشتاء بأنفاسه الباردة وما يصاحبه من سكون ينشيء حالة مزاجية مفعمة بالشجن لدي الأدباء والشعراء بشكل خاص, فتمطر القصائد المكتوبة شتاء حزنا مقارنة بنظيرتها الصيفية, فالشتاء من وجهة نظره هو ميقات الرومانسية والحب وتدفق المشاعر.. بينما صاحب نوبل نجيب محفوظ يقول: روحي في الشتاء تكون متألقة, وكل استعداداتي وإمكاناتي الأدبية تكون في حركة ونشاط, وهذه الحالة كانت تبدأ معي من الخريف وتستمر حتي نهاية الشتاء, ثم يجئ الربيع فتأتي معه فترة البيات الربيعي والصيفي, وأنا أحب الشتاء, فأشعر فيه بوجد, وأنجز فيه الكتابة, وأحب الدنيا فيه, وأعتبر الصيف فترة راحة إجبارية استعدادا للعمل المضني في الشتاء.. أما الكاتب يوسف القعيد فيجد في الشتاء فصلا محفزا للإبداع, حيث لجوء المبدعين لدفء المنازل هربا من الصقيع.. وأنا ارتجف, سامحيني.. أقول الحقيقة بكل صدق.. أفكر أن كل كلمة, كل ابتسامة منك.. غدت منذ الآن شريعتي!.. ووليم شكسبير هو الآخر يعلنها صريحة إذا فتحوا قلبي ذات شتاء.. بعدما توافيني المنية.. لقرأوا: ما زلت أحبك مكتوبة بأحرف ذهبية.. لكن نزار بعكسهم لايقلقه الثلج ولا البرد.. لا يقلقني الثلج, ولا يزعجني حصار الصقيع.. فأنا أقاومه حينا بالشعر, وحينا بالحب.. فليس عندي وسيلة أخري للتدفئة, سوي أن أحبك.. أو أكتب لك قصيدة حب. يا أنت كن مثلي.. انتظر شتاءك في محراب صمتك أو وجعك لا فرق كبير بينهما وحين يغمرك الصقيع تأمل قلبك من جديد, ستراك في الحقيقة تبكي مما كان يوما مصدر بهجتك.. هكذا يدق هذا الطارق أبوابي بالشجن والحب والإبداع.. وكغيري من المنتظرين سأنتظره لن أشتري معطفا ثقيلا أو رابطة عنق مزركشة أنا أدرك جيدا أن لاشيء سيهبني الدفء في مساءات فبراير الحزينة إلاك.. إلا قبضة من يديك علي يداي أو ربما قبضة من تراب أتدثر تحتها بوجعي.. سأنتظرك ولن ألعن كغيري عطش الغياب فهؤلاء الذين يلعنون العطش هم أنفسهم الذين يردمون الأنهار بجيف الأبقار؟.. وهؤلاء الذين يشتمون الحظ يعرفون قتلة الحلم جيدا ولايحركون ساكنا؟.. شتاء هذا العام ينبئني بأنني مثل شاعرنا القدير صلاح عبد الصبور سأموت وحدي.. ذات شتاء مثله.. ذات شتاء.