يتفق كثيرون في منطقة الشرق الأوسط أن العمل الجيد يكمن في القطاع العام, حيث ساعات العمل المريحة ومعاش التقاعد المحترم. ولكن اتجاهات التوظيف آخذة في التغير بشكل مستمر بفضل نمو القطاع الخاص من ناحية, ونهوض مفهوم ريادة الأعمال مؤخرا من ناحية أخري. واعتبرت العديد من حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ريادة الأعمال ركيزة من ركائز النمو والتنوع الاقتصادي وطريقة لخفض معدل البطالة بين الشباب, والذي بلغ30 في المئة وفق الاستطلاع الأخير لرأي الشباب العربي. وفي هذا الصدد يقول رامز محمد, الرئيس التنفيذي لشركة أعمال مقرها القاهرة: إن فكرة العمل في القطاع العام قد انتهت بالنسبة للكثيرين, وحيث إن فرص العمل في القطاع الخاص لم تعد متاحة الآن كما كانت في السابق, فقد بدأ الناس بخلق الفرص لأنفسهم. لقد تسببت البيروقراطية, وعدم الاستقرار في منع القطاع الخاص من الازدهار في كثير من بلدان المنطقة, ما أدي إلي خفض فرص العمل المتاحة لشباب الشرق الأوسط. ولكن خلال العقد الماضي, برز مسار وظيفي إلي الصدارة وهو ريادة الأعمال. وبفضل التشجيع من قبل رجال الأعمال والسياسيين المؤثرين, أصبح بدء مشروع جديد خيارا مألوفا وقابلا للتطبيق. ويقول السيد/ فيليب باهوشي, المؤسس والرئيس التنفيذي لإحدي شبكات الإنترنت تختص بالشركات الناشئة ومجتمع المستثمرين: لقد بذلت جهود حثيثة لدفع مفهوم ريادة الأعمال في المنطقة وتمكين الشباب وتشجيع الناس علي التفكير في استحداث الكفاءات والمنتجات الجديدة التي لم تكن موجودة في السابق. ودائما ما تظهر هذه المنتجات أو الخدمات الجديدة كحلول للمشكلات اليومية. فقد ظهرت شبكة للدفع الإلكتروني في مصر لمعالجة مشكلة نقص بطاقات الائتمان في المنطقة, بينما كان الهدف من شركة أخري حل مشكلة العناوين البريدية. تكمن قوة ريادة الأعمال في المنطقة في الطبيعة الناشئة لكثير من القطاعات, ولاسيما القطاعات التكنولوجية. ففي الولاياتالمتحدة وأوروبا يسيطر عمالقة التكنولوجيا علي السوق بشكل كبير, ما يجعل من الصعب علي الشركات الناشئة توسيع نطاق أعمالها أو إحداث تأثير في السوق. وعند المقارنة, نجد أنه لا يوجد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثل هذه الشركات العملاقة, وبالتالي يكون أمام الشركات الناشئة فرص أكبر للازدهار. وتكمن الفرص الرئيسية في ندرة الخدمات بالنسبة لجيل جديد بارع في التكنولوجيا وأكثر توجها نحو العالمية. وتبين أن التعامل مع الشركات الكبري والشركات متعددة الجنسيات التي تعمل في المنطقة يمثل خبرة مفيدة للعديد من الأشخاص الذين يستعدون لبدء مشروعاتهم الخاصة. حيث حصل العديد من رواد الأعمال في الشرق الأوسط علي سنوات من الخبرة في العمل مع شركات كبيرة قبل الشروع في تحقيق تطلعاتهم الشخصية. كما استفاد الكثير من تزايد عدد المؤتمرات والبرامج والمنصات التي تهدف إلي تيسير عمل الشركات الناشئة. وأضاف السيد محمد: هناك مسابقات وبرامج تحفز الكثيرين علي بدء مشروعاتهم الخاصة. إن ثقافة قصص النجاح التي يسمع عنها الناس. برزت شركة أردنية لبعض الوقت بوصفها النموذج الوحيد في المنطقة الذي استقطب الاستثمارات الأجنبية الكبيرة, ولكن خلال السنوات القليلة الماضية انتقل هذا الإرث إلي شركات أخري نجحت في التوسع والانتقال من نطاق الشركات الناشئة المحلية إلي نطاق العمليات العالمية. فقامت شركتان في الإمارات ومصر بنقل مقريهما الرئيسيين إلي وادي السيليكون, الذي ينظر إليه بشكل كبير كمركز عالمي للتكنولوجيا.. ولم يكن في مقدور أي من هذه الشركات تحقيق النجاح من دون وجود الاستثمار. لقد غير أصحاب رأس المال المخاطر, وحاضنات ومسرعات الأعمال المشهد العام لمنظومة الشركات الناشئة بشكل كبير, حيث تعد استثمارات رأس المال المخاطر معلما مهما في حياة رواد الأعمال في الشرق الأوسط. ويقول السيدباهوشي: ظهر رأس المال المخاطر نتيجة لحاجة رواد الأعمال إلي رأس المال وأضاف: لكنه أصبح الآن صناعة قائمة بذاتها وتمثل موضوعا مثيرا للاهتمام. ووفقا لرابطة الأسهم الخاصة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا, فقد بلغت استثمارات رأس المال المخاطر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا175 استثمارا في عام2016, مقابل122 استثمارا في.2015 ولكن انخفض إجمالي تمويل الاستثمارات الذي تم جمعه من213 مليون دولار في2015 إلي172 مليون دولار في العام الماضي. وبينما تتركز معظم الأموال في دول مجلس التعاون الخليجي, وبخاصة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية, إلا أن أكثر المواهب تنشأ في مصر, والأردن, ولبنان. لقد استثمرت جامعات هذه البلدان بشكل كبير في تطوير دراسة الهندسة والتكنولوجيا, ما نتج عنه خريجون يتمتعون بالمهارات المناسبة والمعرفة التي تمكنهم من بناء المنتجات والتطبيقات. مثلت الإمارات العربية المتحدة نسبة34 في المئة من حجم الاستثمارات في عام2016, يليها لبنان بنسبة21 في المئة. وتعد تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا المالية مجالي التركيز الرئيسيين لأصحاب رأس المال المخاطر, يليهما الرعاية الصحية والنقل. وفي هذا السياق صرحت كاترينا بالوت, الرئيس التنفيذي لأحد منتديات ريادة الأعمال في العالم العربي لاحظنا علي مدي السنوات الماضية نموا في منظومة ريادة الأعمال, فهناك المزيد من مسرعات الأعمال, وحاضنات الأعمال كما شهدت شركات رأس المال المخاطر نموا. وأضافت: وكلما زاد عدد شركات رأس المال المخاطر, والحاضنات ومسرعات الأعمال, زاد تشجيع رواد الأعمال علي طرح أفكار جديدة. ولكن لا يزال الطريق طويلا. فقد بلغت استثمارات رأس المال المخاطر في الولاياتالمتحدة الأمريكية69 مليار دولار في عام2016, وفي الهند استثمرت شركات رأس المال المخاطر4 مليارات دولار في الشركات الناشئة. وبلغ مجموع استثمارات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا870 مليون دولار فقط. وبحسب السيدة/ بالوت, ما تزال هنا فجوة في التمويل, ولاسيما علي مستوي الاستثمارات الصغيرة ورعاية الاستثمارات, والمراحل التوسعية, حيث علقت بقولها: لا يوجد كثير من المستثمرين الأفراد الذين يستثمرون في الشركات الناشئة بسبب المخاطر. هناك فجوة في المستثمرين الأفراد, وتحتاج الشركات الناشئة إلي التمويل لإثبات نفسها ولكن الأموال لا تتوفر. وهناك مشكلة أخري تتعلق بمغادرة أصحاب أفضل الكفاءات بلدانهم للبحث عن فرص في أماكن أخري, ما يؤدي إلي نقص المهارات في هذه البلدان, ولاسيما لبنان ومصر. وتقول السيدة/ بالوت: تقوم الحكومة في لبنان بجهود كثيرة, حيث توجد أكثر من30 مؤسسة لدعم الشركات الناشئة, ولكن في الوقت ذاته, لا تتوفر الأساسيات اللازمة مثل الاتصال الجيد بالإنترنت, والكهرباء, ولذلك يغادر الكثيرون وينتهي المطاف بالكثيرين في دبي, التي تعتبر مركزا للأعمال التجارية في المنطقة. يقول السيد/ باهوشي: بدأنا نشهد اهتماما أكبر من المجتمع الدولي, حيث تستفسر شركات رأس المال المخاطر العالمية عن البيانات, ما يعني إمكان توفر المزيد من التمويل وأضاف: لقد بدأت الأمور في التطور, وهذا أمر إيجابي. متخصصة في قضايا وشئون الشرق الأوسط