عقب التطورات الأخيرة في الأزمة السورية والتي شملت انهيار تنظيم داعش في العديد من المدن والمناطق التي تمركز فيها, تزايد الاهتمام لدي الفاعلين الاقليميين والدوليين المنخرطين في سوريا بما يسمي مرحلة ما بعد داعش. وفي حين تبدو روسيا باعتبارها الدولة التي تتمتع بإستراتيجية محددة الملامح تسعي بالأساس إلي تحطيم دولة داعش ومنع قيام بؤرة للمتطرفين ترتد الي داخل أراضي الاتحاد الروسي, ثم التوصل إلي حل سياسي يتيح لموسكو التأثير في سورية من بعيد, وإخراج قواتها من المنطقة, والحصول علي حصة اقتصادية في إعادة إعمار الدولة, فإن الرؤية الأمريكية لما بعد داعش تبدو غائمة وغائبة في عهد ترامب, كامتداد ايضا للالتباس الذي كان سائدا في عهد الإدارة الديمقراطية لأوباما. علي الجانب الآخر الإقليمي, وباعتبار طهران لاعبا اساسيا له دور لا يمكن تجاوزه ميدانيا في الازمة السورية, تتكرر التصريحات الإيرانية التي تتحدث عن الوصول إلي البحر المتوسط وعن نفوذها الكبير في أربع دول عربية هي العراقوسوريا ولبنا واليمن, بما يفصح عن الهدف المتمثل في تحول إيران إلي قوة عظمي اقليمية تتمدد علي حساب المنطقة العربية بالأساس, ولا تستهدف صداما مع إسرائيل أو الولاياتالمتحدة, كما يقول الخطاب التعبوي الايراني.. بل تظهر التحركات الايرانية انها تريد الخروج من عزلتها الشرق أوسطية وترسيخ وجودها في المنطقة, ليس عبر تنظيمات تدور في فلكها.. وليس عبر الهجوم علي اسرائيل, بل عبر الحصول علي مكانة شرعية في العالم, والحصول علي اعتراف بمكانتها كدولة إقليمية كبري ذات نفوذ, الأمر الذي يمكنها من تحويل مكاسبها السياسية إلي مكاسب اقتصادية, ويسهم في تقوية مركزها الإقليمي والدولي عبر اقامة شبكة ممتدة من المصالح والتداخلات الاقتصادية مع اوروريا والصين وروسيا. لقد كان توقيع ايران للاتفاق النووي بمثابة الخطوة الاولي للحصول علي شهادة دولية بانها دولة عقلانية يمكنها التوقيع علي اتفاقات تقوم علي حلول توافقية وعلي أساس من تقاسم الارباح والمصالح, والتعاون مع طيف واسع من الدول إلي تتطلع الي اقامة شراكات اقتصادية وسياسية مع هذه القوة البازغة. ومن الواضح أن طهران تهدف إلي توظيف قاعدة النفوذ القوي الذي حصلت عليه في سوريا, لتحقيق نفس هذه الحزمة من الأهداف.. ففي خلال العامين الأخيرين تمركزت إيران في الداخل السوري في خمس جبهات منحتها موقعا في جميع المناطق الإستراتيجية, من درعا والسويداء في الجنوب, مرورا بمشارف دمشق وإدلب في الوسط, وحلب ومنطقة الحسكة في الشمال, وكذلك علي طول الحدود بين سورياوالعراق في منطقة دير الزور. ووفقا لتقارير عدة, فإن ايران تحتفظ في سوريا بنحو70 ألف مقاتل, وأن المرشد الأعلي خامنئي قرر زيادة هذه القوات, وإرسال قادة كبار إضافيين لترسيخ البنية العسكرية الإيرانية في سورية. وهكذا تتمدد إيران عبر إستراتيجية مركبة.. تلعب لعبة المساومات والصفقات مع كل من روسيا وتركيا, وتتحاشي الصدام مع واشنطن, حيث لا تمانع طهران من تقليص وجودها في بعض المناطق وزيادته في أخري.. وتناوش إسرائيل خطابيا عبر حزب الله, وتسعي لاقامة نوع من توازن الردع معها.. وهكذا فإن مراقبة التحركات الإيرانية في المنطقة يجب ان تحظي بأكبر قدر من الاهتمام, إذ انها لن تتوقف عند المحطة السورية بل سوف تستهدف ابلدان الخليج العربي, ومن ثم مصر.