يبكي السكندريون ومعهم جميع المصريين ضحايا حادث قطاري الإسكندرية الأخير والذي نجم عنه كثير من القتلي الذين ندعو لهم بالرحمة ولذويهم بالصبر والسلوان, وبالمثل ندعو الله تعالي أن ينعم بكامل الشفاء علي من أصيبوا بالحادث. بداية أتوجه بالتحية والتقدير لكل وسائل الإعلام المصرية التي كانت علي قدر المسئولية المهنية بشكل واضح اذ بفضلها أصبحنا علي اضطلاع بكل تفصيلة وكل تطور بالحادث ليس علي مدار الساعة ولكن علي مدار اللحظة, وبالمثل فمن الأمور التي جذبت انتباهي هو ذلك الاهتمام الاعلامي الشديد بمصير القتلي والتعرف علي هوياتهم من أجل تسهيل مهمة استلام جثثهم أمام ذويهم وهو الاهتمام الذي كان علي الدرجة نفسها التي نالتها تحركات كافة أجهزة الدولة المعنية سواء تمثلت في حضور وزير الصحة وزيارته للمصابين, والوقوف علي حالة كل منهم أو وزير النقل أو وزيرة التضامن الاجتماعي التي وجهت بصرف التعويضات الملائمة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد أو محافظ الإسكندرية الذي وجه بالتعاون مع رئيس جامعة الإسكندرية بتوفير كل أشكال الدعم الطبي والاغاثي لضحايا الحادث عبر كل المستشفيات بالمحافظة جامعية كانت أو حكومية, كذلك القوات المسلحة المصرية التي قدمت دعما واضحا في شكل معدات رفع وأفراد بهدف دعم قوات الشرطة في السيطرة علي الموقف لضبط الأمور حتي ينال الضحايا ما يستحقونه من رعاية مستحقة, وهنا نسجل لجميع تلك الهيئات الشكر علي سرعة ادارة الكارثة, و لأن الحالة التي باتت فيها سكك حديد مصر لا تخفي علي أحد منذ سنوات, فلن نتطرق للحديث عما تعانيه من مشكلات جمة تحتاج لمبالغ مالية ضخمة لإعادة إحيائها بالشكل الذي يليق بمصر ومواطنيها. ولكن الأمر ياسادة لا يقف بوجهة نظري عند مسألة الصرف علي احتياجات سكك حديد مصر وحدها, فكثير من الدول مازالت تمتلك القدرة علي تشغيل كثير من مرافقها القديمة في ظل عدم قدرتها الاقتصادية علي تحديثها, والأهم أنها لازالت قادرة علي توظيفها اقتصاديا لتحقق ارباحا نسبية, هنا أعتقد أن الأمر يتعلق بالضمير الانساني بشكل عام ومدي الشعور بالمسئولية والقدرة علي تحملها في إطار أوسع من الشعور بالولاء والانتماء للأرض التي عاش عليها آباؤنا ودفن بها أجدادنا ونعيش جميعا عليها نحن وأولادنا, تلك الأرض التي نسميها الوطن. فالضمير الانساني هو من يملي علي المرء الاتيان بالافعال التي تتسق ومتطلبات الحياة القويمة رغم كل الظروف. ولن أوجه سهام النقد لشخص بعينه لنحمله مسئولية وقوع هذه الكارثة وغيرها الكثير مما سبقها من كوارث السكك الحديدية في مصر, فالأمر قيد التحقيق للوقوف علي حقائق الأمور حسب ما أفادت به وسائل اعلامنا المصري. ورغم الحرفية الشديدة التي تمتعت بها وسائل الاعلام المصري في التغطية الخبرية للحادث, إلا أن التركيز عليه ونقل كل تفصيلة بما فيها دخول المراسلين داخل العربات المهشمة وتصوير بقايا حاجيات الضحايا وامتعتهم كان شيئا يصعب علي المشاهد هضمه, كما اعتبره الكثيرون نوعا من المبالغة خاصة وأن نقل صورة تلك الحاجيات من داخل العربات المهشمة أمر لن يضيف جديدا للمشاهد اللهم إلا المزيد من الحسرة والألم, وكما أن التغطية الاعلامية المكثفة التي شهدتها تلك الكارثة علي مدار يومين كاملين أعطت انطباعا صحيحا عن حجمها الواقعي للعالم أجمع, فإن أعداء الوطن لم تفوتهم الفرصة لتوظيف تلك التغطية للحادث للاستمرار في مسلسل الهدم والحشد والتشويه.