يستهل ديان رينز وارد كتابه( حرب المياه.. سياسات العطش) بعبارة مأثورة تحمل عمق الحكمة وهي: لن نفتقد المياه مطلقا حتي ينضب البئر, ويمضي في سياقاته بعبارة مفزعة تؤكد أن ما نسميه سلطة الانسان علي الطبيعة يصبح سلطة يمارسها بعض البشر علي البعض الآخر وتكون الطبيعة هي الأداة لذلك, ثم يختمه بمقولة: إننا نعيش في أكثر المجتمعات تطورا من الناحية التقنية إلا أننا نعود أدراجنا علي ما كنا عليه منذ ثلاثة آلاف عام ألا وهو الصلاة من أجل هطول الأمطار!! ولقد كان التوجه الفكري العام للكتاب مسايرا لجوهر تلك المقولات علي تعدد فصوله التي ذخرت بالاستشهادات والاحصائيات لكن البؤرة المتفجرة فيه هي الحديث المستفيض عن أشكال الحروب القادمة المسماة بحروب المياة والتي تتضاءل أمامها الحروب النووية لأنها تمثل قضية بقاء وفناء, وحول ذلك أكد ديان رينز أنها مهما كانت الترتيبات التي تستطيع الدول أن تضعها فلم يعد أحد يشك أن السلام الدائم في الشرق الأوسط أمر ممكن إذا ما أخذ الماء في الاعتبار ذلك من أجل القدرة علي البقاء الاقتصادي والسياسي للمنطقة, إذ أن مساحات الكراهية في الشرق الأوسط واسعة النطاق من ثم فإن قضية الماء قد وصلت الي نقطة اللاعودة, وقد دلل علي ذلك بأن التاريخ لا يكشف إلا عن حروب شاملة قليلة بسبب المياه إلا أن العطش سيصبح سببا مهما لسفك الدماء داخل الحدود القومية. وهناك دراسات عدة تؤكد العلاقة الوطيدة بين العنف وندرة الموارد التي تساهم في إندلاع حروب أهلية خطرة تعد الدول الفقيرة هي أكثر عرضة لها. وفي ذات السياق يشير إلي أنه وقبل أن يمضي وقت طويل علي توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل أعلن الرئيس السادات أن الماء فقط هو الذي يمكن أن يدفع مصر للحرب مرة أخري وحينما اكتشف أن المهندسين الإسرائيليين يدرسون جدوي إقامة ثلاثة سدود في أثيوبيا حذر بطرس بطرس غالي من أن إقامة سد علي النيل الأزرق سوف يفهم علي أنه عمل من أعمال الحرب. ويسرد ديان في إطار تاريخي تلك الاشكالية السياسية والاستراتيجية المعاصرة قائلا: بأن السادات أكد أنه إذا قامت أثيوبيا بأي عمل لمنعنا من الحصول علي حقنا في مياه النيل فليس أمامنا بديل سوي إستخدام القوة وأن العبث بالحقوق المائية لشعب هو عبث بحياته وأن قرار الحرب حول هذه المسألة هو أمر لا خلاف عليه في المجتمع الدولي. وعلي الصعيد الاستراتيجي العربي كانت هناك رؤية خاصة حول الأطماع الاسرائيلية قدمها جورج المصري عن مركز الدراسات العربي الأوروبي وأكد خلالها أن الرؤية القومية للحفاظ علي الموارد المائية العربية تثبت أن المخططات الإسرائيلية تشكل خطرا علينا وعلي الأمن المائي للأمة العربية إذ تتعاون إسرائيل مع دول الجوار الجغرافي لاستغلال أزمة المياه كسلاح سياسي لإنتزاع التنازلات علي مائدة المفاوضات, ومن الغريب أن الولاياتالمتحدة دخلت مؤخرا علي خط المياه لمساعدة الدولة العبرية في التحكم في هذا المورد النفيس. وقد وضع مركز الدراسات الإستراتيجية بواشنطن تقريرا جاء فيه: إن الشرق الأوسط يقف علي حافة أزمة كبري من أزمات الموارد الطبيعية فقبل أن ندخل منتصف هذا القرن يمكن أن يمزق الصراع علي المياه المحدودة والمحددة الروابط الهشة القائمة فعليا بين دول المنطقة ويؤدي إلي غليان إقليمي ودولي غير مسبوق. إن خطورة قضية حرب المياه لا تدعو بالضرورة إلي الاستفاضة في الحديث إلا لو انطوي علي تحذيرات لأنها ليست قضية مراهنات أو مجازفات أو احتمالات بقدر ما هي قضية وجود أو إبادة.