يتعجب الانسان حين يقرأ المراجعات النقدية التي كتبت عن فيلم الحريف انها تتحدث في مجملها عن سينما المهمشين, وحياة الفقراء, والظلم والقهر والفقر إلي اخر الكلمات المحفوظة فوق رف عتيق في ملف مكتوب عليه سينما الثماينيات. الفيلم انتاج1983 وهو من تأليف بشير الديك واخراج محمد خان, ويلعب فيه عادل امام دور فارس شخصيتنا اليوم, ولاتكاد توجد قصة للعمل, وانما مجموعة مشاهد ترسم معا بورتريهات لشخصية اللا منتمي, غير المتكيف مع العالم حوله, سواء كان فقيرا ام غنيا, علي الهامش او في قلب المتن. انها شخصية مارادونا, مقارنة ببيليه..وتايسون, بالنسبة لمحمد علي كلاي.. الأميرة ديانا, في مواجهة العائلة المالكة, احمد زكي في مقابل عادل امام نفسه, انها باختصار تعبير عن اولئك الذين يريدون اسقاط النظام, اي نظام واقامة نظامهم الخاص في هذه الحياة الصعبة. فارس لاعب كرة حريف وهو يحب الكرة لانه يجد فيها نفسه, يراوغ بسهولة, ويسجل بسهولة, ويطوعها كيفما يشاء, وفي كل مرة تستجيب له, وتذهب في المكان الذي يريدها ان تذهب فيه. لكن حياة فارس ليست هكذا, انها تحتاج منه ان يكيف نفسه عليها, ان يستجيب هو لها, وهو ما لايستطيع ان يفعله, هو يلعب الكرة في الحارة لانه لم يستطع ان يلعب تحت قيادة مدير فني, لذلك فإنه اعتدي علي مدربه في نادي الترسانة العريق بوحشية, علي عكس طبيعته المسالمة, وخرج بسبب هذا من النادي ومن كل الأندية دون اسف منه, فهو في الحارة يلعب دون الاستجابة لخطة او تعليمات فهو يراوغ متي يشاء, يمرر متي يشاء, يسدد متي يشاء هو حر بكل معاني الحرية. والاعتداء الذي مارسه علي مدربه, مارسه ايضا علي زوجته, التي يحبها, ويحب ابنه الذي انجبه منها, لكن الحريف يفقد اعصابه وسيطرته علي نفسه عندما يشعر بأنه داخل القفص, اي قفص, ولو كان قفص الزوجية, فيكون الطلاق والخروج من الجنة إلي غرفة بائسة علي السطوح. وهكذا يفقد فارس الاشياء تباعا, عمله أو اصدقاءه, راحة باله, كل شيء يتساقط من حوله. ولأن الاشياء تتميز بضدها, فقد امعن الديك وخان, في ابراز النماذج التي استجابت للنظام, ايجابا وسلبا بداية من محسن حمدي الوزير في دور عمره الذي يغلق ازرار القميص حتي الرقبة, ولايبحث إلا عن الاستقرار, ولايجد غضاضة من قبول العمل محل الرجل الذي توسط له في العمل, عزيزة زيزي مصطفي التي تختلس لحظات الحياة مع هذا ومع ذاك, رزق عبدالله فرغلي الذي حدد هدفه في الحياة بجمع المال, زوجته فرودس عبدالحميد التي تريد اقامة اسرة وبيت وتربية طفلها, ولو كان كل ذلك صوريا, وحتي عبدالله نجاح الموجي الذي اختار ان يكون قاتلا ومقتولا, كل هؤلاء يساعدون في اقامة النظام الذي يسعي فارس لاسقاطه. ولان فارس لايتكيف مع الحياة من حوله, فإنه يقيم نسقه الاخلاقي, وقيمه الخاصة به, فهل يقبل الرشوة بسهولة ويتنازل عنها بسهولة اكبر, يستجيب لدخول عالم التهريب, ويعطي بلا حدود لمن حوله: الكابتن مورو عدوي غيث والده ابراهيم قدري وحتي محسن الذي حل محله في العمل, لكن الحريف يستجيب دائما للغواية, ولا يعادل بكرة القدم شيئا, وعندما ينفرد بالراقصة صارخة الجمال, يخرج من جيبه كرة صغيرة يداعبها بدلا منها, وعندما يجتمع شمل عائلته في سيارته, يتركها في الشارع, ليخوض مباراة يحول فيها خسارة فريق من اربعة اهداف نظيفة إلي فوز بخمسة اهداف مقابل اربعة, ليقول لنا ان الكرة الشراب كانت الانتصار الوحيد والحقيقي في حياة فارس وفي نظامه.