بالرغم من أن أشياء كثيرة في حياتنا اليومية أصبحت افتراضية في هذا العالم الافتراضي الذي نقضي غالبية أوقاتنا علي صفحاته إلا أنه لم يعد هناك ثمة فارق حقيقي بين الواقع والافتراض.. فما نقرؤه ونطالعه علي صفحات العالم الافتراضي من منشورات وآراء يعكس بلا شك سلوك من يكتبونه الذي يمارسونه في الحياة الواقعية.. وللأسف أصبح ما نراه سواء في العالم الافتراضي أو الواقعي لا يمت للأخلاق ولا للإنسانية بأي صلة.. والحديث عن هذه السلوكيات اللا أخلاقية يحتاج إلي عدة مقالات لتسليط الضوء عليها ولفت انتباه ممارسيها علهم يدركون مدي قبحها وفداحة ضررها النفسي علي الآخرين ربما أحجموا عن الاستمرار فيما يرتكبونه من جرائم سلوكية.. قد يكون أشدها أذي السخرية من الغير بسبب لون البشرة أو المظهر الخارجي للشخص أو الأشخاص موضع السخرية.. فإن كانت السخرية من الآخرين في حد ذاتها سلوكا مشينا وغير إنساني ولا أخلاقي فالاستيلاء علي الصور الشخصية للآخرين بدون موافقتهم ونشرها بغير علمهم هي أيضا عمل غير أخلاقي في الأساس حتي وإن لم يتم السخرية من أصحابها.. فأي مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي بات معرضا لكل أنواع الانتهاكات لخصوصياتهم من قبل هؤلاء المتطفلين ومسيئي استخدام هذه المواقع.. الأدهي والأمر ليس فقط في الفاعل الأول لهذه النوعية من الجرائم الأخلاقية الإلكترونية ولكن فيمن يشاركونهم ذات الفعل ويقومون بإعادة النشر لمثل هذه المنشورات التي لا هدف لها سوي الاستهزاء بالغير والسخرية منهم.. أولئك وهؤلاء ممن يرتكبون هذه الأفعال المقيتة يغفلون عن حقيقة جلية, وهي أنهم هم أنفسهم معرضون لأن يفعل بهم آخرون مثلما يفعلونه هم في غيرهم.. يتناسون بأن مقولة كما تدين تدان مقولة حقيقية وقانون إلهي يطبق علي الجميع بلا أي استثناءات أو تمييز.. فكيف وصل الحال بمجتمعنا إلي هذا الحد من الاستهتار بكل القيم الإنسانية والأخلاقية.. وعدم التمييز بين ما يصح وما لا يصح.. ليست التكنولوجيا بالطبع هي المسئولة عن هذا التدهور والتدني في سلوكيات البعض منا وفي هذا الانهيار المجتمعي الذي أصبحنا عليه.. فالمسؤولية تقع في الأساس علي عاتق الأسرة التي ما عادت تولي اهتماما حقيقيا لتربية أبنائها علي القيم الأصيلة التي تربت عليها أجيالا سابقة كانت تعي معني الاحترام في تعاملاتها بوجه عام.. فغياب دور الأسرة في تنشئة جيل يثمن القيم ويعلي من شأن الأخلاق كان سببا رئيسا فيما نعانيه جميعا الآن من تعديات البعض باللفظ والفعل علي الغير ومن انتهاكات لخصوصية الآخر بأي شكل من الأشكال.. وكما غاب دور الأسرة غاب كذلك دور المؤسسات التربوية والتعليمية فأصبحت المدارس لا تهتم بالجانب التربوي في العملية التعليمية كمان تهتم بتلقين المعلومات العلمية للتلاميذ.. بالإضافة إلي غياب الدور الرقابي علي ما يتم تقديمه من أعمال فنية سواء كانت مسلسلات أو أفلاما سينمائية لضمان أنها لا تغرس في عقول مشاهديها ما يضر بالقيم المجتمعية العامة.. إن مسألة التحلي بالأخلاق ليست من الرفاهيات لأي فرد والتي يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها.. فالاستدلال علي تحضر أي أمة يكون بتحضر سلوك أفرادها ورقي أخلاقهم وهو ما أصبحنا نفتقر إليه في تعاملاتنا اليومية بل أصبح البعض يتفاخر بالبذاءة والتطاول علي الآخرين, وكأنها سلوكيات تدعو صاحبها للتباهي بها بدلا من تقويم نفسه للعدول عنها.. وأصبح الغالبية العظمي يرضون لغيرهم ما لا يرضونه لأنفسهم دون أدني مراجعة للنفس أو محاسبة لها فكل التصرفات السيئة باتت ممكنة حين أصبحت الأخلاق افتراضية.