أمة اقرأ التي اختصها الله بحمل مشاعل العلم ورسالة التنوير إلي شتي ربوع الأرض لم تعد كذلك.. باتت وبتنا- إلا ما رحم ربي- أقرب للشعوب الجاهلة بكل ما تحويه الكلمة من قسوة. . لن تتعبوا أنفسكم كثيرا لكي تكتشفوا هذه الحقيقة, فقط انظروا إلي مناهجنا الدراسية العقيمة إلي فصولنا التعليمية إلي مستوي الطالب والمعلم معا.. إلي كم ما يقدمه وطننا العربي علي اتساعه من الخليج للمحيط من علماء وأدباء في كل عام لخدمة البشرية مقابل ما يقدمه الغرب.. إلي كم مرة حصل فيها عالم من بلاد الضاد علي جائزة نوبل علي اختلاف مشاربها وتخصصاتها في مقابل علماء أوروبا.. إلي ما توفره هذه الدول من سبل للعلم مقابل ما نوفره نحن.. إنها بالفعل مأساة كبيرة أن نصل إلي هذا الحد المؤسف من التردي في وقت ما أحوجنا فيه إلي العلم لكي ننهض ونري أنفسنا كبارا مثلما كان الغرب في أيام ظلامهم يروننا كبارا وينبهرون بعلمائنا العرب وتفوقهم في شتي مجالات العلم والمعرفة, لكنهم لم يكتفوا مثل حالنا الآن بالانبهار بل راحوا ينهلون من تراثنا ويتقدمون خطوة للأمام حتي سبقونا بعشرات بل مئات الخطوات فهل فعلا بات العلم في عالمنا العربي لا يكيل بالباذنجان علي رأي الممثل القدير عادل إمام في مسرحية مدرسة المشاغبين التي أري أنها كانت كاشفة لعوراتنا, والعراف الذي تنبأ بهذا المصير المظلم والمؤلم لمستقبل أمتنا الثقافي والمعرفي؟ من يقرأ ويعي تاريخ وأسباب سقوط دولة المسلمين الفتية في الأندلس التي امتدت إلي ثمانية قرون سيعرف بكل بساطة إلي أين تقودنا أقدامنا الآن, وكأن التاريخ يعيد نفسه فكل عوامل انحدار وسقوط هذه الدولة العظيمة وكل مقومات ضياع الأمم تتوافر فينا من انقسام وانشقاق واستقواء علي البعض بالعدو الخارجي.. فبعد أن بلغ المسلمون مبلغهم من العلم وأسسوا أعظم حضارة هناك دب فيهم الخنوع وكان الإغراق في الترف, والركون إلي الدنيا وملذاتها وشهواتها, والخنوع والدعة والميوعة, وهجر العلم هي أول العوامل التي أدت إلي تلك النهاية المؤلمة, فتحول شباب الأمة الأقوياء من نهم القراءة إلي العشق علي شواطيء غرناطة وباتوا يبكون هجر الحبيب وينغمسون في كل الملذات مثلما هو حالنا.. لكن تري لماذا لم نعد أقوياء كما كنا حتي إننا فقدنا سبل السعي إلي ذلك؟.. وما الذي يدفع شبابنا منذ عشرات السنوات للعزوف عن القراءة.. تراه اليأس واليقين بأننا في بلاد لا تؤمن أو تعترف بالكفاءات وحملة العلم.. وأن الواسطة والمحسوبية مازالت هي الباب الملكي لكي تؤمن وظيفة تحقق لك الحد الأدني من الشعور بمواطنة حقيقة.. وبعدالة يكون المتفوقون والمبدعون فيها بطليعة الصفوف. اهتتمت كثيرا كغيري بمشروع بنك المعرفة الذي تسعي وزارة التربية والتعليم لإدخاله في جميع مدارسنا بحلول شهر سبتمبر المقبل, وكذا مشروع المعلمون أولا خاصة معلمي الصفوف الأولي من المرحلة الابتدائية بوصفهم الأكثر تأثيرا في الطفل والأقدر علي تشكيل النواة الأساسية في تكوين الشخصية والهوية وآمل أن تنجح تلك المشروعات في تحقيق نظام تعليمي حقيقي يتحول فيه الطالب من أسر التلقين إلي الفهم والمهارة والابتكار. ومن الهروب من الكتاب إلي حب القراءة ومن نفوره من المدرسة إلي توفير أنشطة تجعله مرتبطا بها.. لو تحققق ذلك سنعود كما كنا ولن يكون ماضينا فقط مصدر فخرنا بل حاضرنا أيضا.