أنا شاب في منتصف الثلاثينيات تخرجت في إحدي الكليات العملية والتحقت بأكثر من عمل, وأعمل منذ عدة سنوات في وظيفة جيدة أثبت تفوقا فيها. أكتب لك يا سيدتي لأصرح لك بأنني أكره أقرب الناس لي: أمي... فمنذ وعيت علي الدنيا أدركت أن أمي تفضل أخي الذي يصغرني بعامين, تحنو عليه وتدلله وتستجيب لطلباته بينما تعاملني بقسوة لا تعامله بها, ولم أكن أفهم سر تفضيلها الواضح حينها وأنا طفل صغير لكن عندما كبرت قليلا فهمت السبب وهو أن أخي هادئ مطيع طيب القلب لا يثير المشكلات أما أنا فكنت الطفل الشقي المغامر العنيد الذي لا يكف عن تجربة كل شيء مهما ينتج عن ذلك من أخطاء, كنت أنال علي كل واحد منها علقة ساخنة من أبي الذي كانت والدتي تشكوني إليه, ولا أنسي يا سيدتي مشهد العصا التي تنهال علي بينما أخي الأصغر يجلس خائفا في حضن أمي. كبرنا أنا وأخي وتلانا أخت وأخ آخران لكن قلبي لم يستطع أن يحمل الحب نحوه دون أن أفهم لذلك سببا وقتها, لكن عندما شببنا عن الطوق وشق كل منا طريقه وباعدت بيننا الأيام لم أعد أحمل له ضغينة, أما أمي التي ماتت منذ عامين فلم أستطع مسامحتها حتي الآن. المشكلة يا سيدتي أنني عندما بلغت سن الشباب وجدتني أميل نحو الفتيات اللاتي لا يعرنني اهتماما فأظل أجري وراء الواحدة منهن حتي إذا مال قلبها نحوي وأصبحت تغرقني في الحب والحنان, تعافها نفسي وأتوقف عن حبها وأبحث عن غيرها بالطريقة نفسها, وها أنا وقد انتصف عقدي الرابع مازلت دون زواج لهذا السبب العجيب.. فهل ما أشعر به نحو الفتيات هو عقدة تسببت لي بها أمي؟ أو أنني لم أصل إلي النضج العاطفي بعد؟ وكيف لي أن أتخلص من هذه المشاعر التي أرهقتني؟ عزيزي الولد الشقي: أشكرك علي مشاركتي قصتك بعذاباتها وغيرتك من أخيك حتي وقت قريب, تشكو لي من سلوكك الذي لا تملك حيلة فيه وهو انجذابك للفتيات اللائي يرفضنك ويتمنعن عنك في بادئ الأمر ثم تنتهي المسألة بإيقاعك لهن في شباك غرامك لتلقي بهن واحدة تلو الأخري خارج حياتك وكأنك تنتقم أو ترد الصاع صاعين! ممن تنتقم؟ من والدتك رحمها الله؟ أم من نفسك؟ أم من كل فتاة علي وجه الكرة الأرضية؟ فالمعجبات بك أو المنجذبات لك لا يثيرنك وأنت ترغب اللائي يرفضنك.. إذا هل هي عقدة خلفتها علاقتك المضطربة بوالدتك؟ ويا لها من أم ويا ويل ذاك الطفل الشقي الذي هو أنت.. ما طرحته في رسالتك إنما هو بنات أفكارك المعذبة بكسر الذال لك طيلة سنوات شبابك, لقد كبرت بالقدر الذي سمح بفطامك عن الرضاعة ثم كبرت أكثر حتي استقللت بحياتك بشكل كامل بعيدا عن والدتك قبل أن يتوفاها الله بسنوات, نعم صديقي أدرك طبيعة الآلام النفسية العميقة التي تعرضت لها جراء إحساسك بكونك الابن البعيد واستقبالك النفسي المرهف لتفضيل والدتك لأخيك بأسباب تبدو منطقية, لكن الموقف الذي عشته يكاد يكون القاعدة في كل بيت حيث هناك دائما ابن أو ابنة هو الأقرب لوالديه ولا يعاني باقي الإخوة بالشكل المدمر الذي ما زلت تدفع فاتورة تبعاته, فما هي المحصلة اليوم؟ هل نجحت في تعديل إحساسك بنفسك وتطبيب جرح رفض والدتك عندما رفضت الفتيات عقابا لهن لكونهن إناثا أظهرن شيئا من التمنع معك في بادئ العلاقة؟ هل نجحت في إيذاء والدتك أو تحميلها ذنبا ما آل إليه مصيرك وعدم قدرتك علي الانخراط في علاقة ناضجة مشبعة؟ لقد أشارت كثير من الأبحاث لأهمية دور الأم وتأثير قبولها لطفلها علي قدرته أن يحب نفسه ويحب الآخر, وتناولت مدارس علم النفس أهمية أن تكون الأم جيدة بالقدر الكافي لتنمي الشبع النفسي والقدرة علي خوض علاقات سوية مكتملة في حياة أطفالها بل تطرقت لأهمية ذلك في كل نواحي الحياة وأثره علي أنماط شخصية الأطفال في السواء والمرض. ولكن بماذا يفيد أن أدين والدتك وتفضيلها لأخيك؟ هل سينال هذا منها في قبرها أو أغلب الظن سيزيد من إحساسك بالجرح والجريمة التي تري أنها ارتكبت في حقك.. عزيزي الطفل الذي يتوق لقبول أمه: لقد ماتت أمك قبل أن تتصالح معها بالشكل الذي يرضيك والآن الخيار لك: إما أن تتحمل مسئولية ما آلت إليه نفسك من عدم قدرة علي بناء علاقة ناضجة وسوية مع آخر فتسعي أن تنال علاجا نفسيا علي يد متخصص في أقرب وقت, وإما أن ترتضي أن تكمل حياتك وحيدا عقابا لوالدتك عن فعلتها الشنعاء حيث تجتر مرارة الرفض وتمارسه بلا توقف مع ضحاياك من الفتيات.