عندما أعلنت مصر والسعودية والإمارات والبحرين مقاطعتها الدبلوماسية وحصارها السياسي لقطر, سارع حزب المؤتمر الشعبي العام في اليمن للاحتفاء بهذه الخطوة التي وصفها بالإيجابية لموقف قطر الداعم للإرهاب, غير أن صنعاء لم تكن علي قلب رجل واحد, ومقابل هذا الاحتفاء المؤتمري استعرضت جماعة الحوثي علي لسان أبرز قيادتها محمد علي الحوثي( رئيس اللجنة الثورية) وجود علاقات طيبة بينها وبين الدوحة, وليأخذ حديث الحوثي بعدا عمليا عرضت جماعته مجددا علي قناة الجزيرة العودة إلي صنعاء ومزاولة عملها من مكتبها المغلق لنحو عامين. هذه المواقف المتباينة من قبل تحالف الانقلاب ليست بالأمر الجديد أو الصادم, فالقواسم المشتركة بين الطرفين تبدو أقل بكثير من أسباب الصراع والتجافي, ووحدها نيران عاصفة الحزم من استطاعت إذابة جبال الجليد التي راكمتها ست حروب في صعدة وانتفاضة شعبية في عموم اليمن. تركيبة وخطاب وتوجهات جماعة الحوثي وحزب المؤتمر الشعبي العام تجعل من الصراع البيني أمرا حتميا. فالأولي جماعة دينية صنفت كمرتدة منذ لحظة ولادتها, وخاضت حروبا عديدة مع الدولة اليمنية انتهت أخيرا باندلاع الانتفاضة الشعبية في العام2011 وانتقال الحوثي من صعدة إلي صنعاء ليكون إحدي الرافعات الشعبية التي قادت الاحتجاجات ضد نظام صالح إلي جانب اللقاء المشترك والحراك الجنوبي. وفي الضفة الأخري يصنف المؤتمر الشعبي العام باعتباره الحزب الأكبر والأهم في البلاد ولاسيما بعد إطاحته بشريك الوحدة الحزب الاشتراكي اليمني منتصف التسعينات, ونشأ ونما الحزب في كنف السلطة وتحالفاتها السياسية والاجتماعية, وتغلغل في مؤسسات الدولة وتبني خطابا سياسيا علمانيا, دون أن يمتثل لأيدلويجية بعينها, وكانت النزعة البرجماتية أهم ما يميز الحزب وزعيمه الذي ظل يتنقل من معسكر إلي آخر ويدير البلاد من خلال التوازنات الصعبة التي دفعته للتحالف سابقا مع جميع من يقاتلونه اليوم. من تفاهم السر إلي تحالف العلن لم تشق جماعة الحوثي طريقها من صعدة إلي عمران ثم إلي صنعاء بجهد ذاتي محض, شاركها في ذلك غباء خصومها السياسيين( وهم حزب الإصلاح والرئيس هادي اللذان أساءا إدارة المرحلة الانتقالية) ودهاء حليفها التكتيكي( الرئيس السابق صالح وحزب المؤتمر), والذي لم يتخذ موقفا عدائيا تجاه التحركات الحوثية وتركها تتدحرج لتقصي جميع خصومه. غير أن التحولات الإقليمية وسيولة الأحداث اليمنية وما تلاها من تدخل عسكري بقيادة السعودية, أخرج هذا التفاهم الضمني للعلن. وفي مايو من العام2015 أطل صالح من علي أنقاض بيته الذي قصفته طائرات التحالف ليعلن أنه مستعد للتحالف مع أنصار الله ومع كل من يواجه العدوان, وكانت تلك لحظة مفصلية دشنت درجة تنسق أكبر بين القوتين الحاكمتين في الجزء الحيوي من اليمن. وبعد عام كامل من التقارب العسكري الذي فرضته الحرب, حاول صالح والحوثي نقل تحالفهم من ردة الفعل إلي مستوي الفعل السياسي الذي يؤهلهم لكسب نقاط إضافية تقضم من رصيد الشرعية, وفي يوليو المنصرم جري تشكيل المجلس السياسي الأعلي الذي يفترض به أن يدير البلاد ويعيد تفعيل الدستور والمؤسسات السياسية, حيث تبرع صالح الذي يسيطر علي أغلبية البرلمان بحشد كتلته الحزبية للمصادقة علي المجلس السياسي وتشكيل شرعية موازية يتمخض عنها حكومة حرب تقوم بتسيير الشئون الداخلية. كوابح التحالف برغم تمسك صالح الشديد بنجاح الشراكة مع الحوثيين, وتدخله المباشر في أكثر من مناسبة ليقول إن النيل من الحوثيين إنما هو فعل يصب في مصلحة العدوان, فإن هذا التلاقي ظل فوقيا دون أن يترجم عملانيا علي نحو ناجع, فالحوثيون الذين يترأسون المجلس السياسي, ما يزالون غير مستعدين لحل اللجنة الثورية التي جري إعلانها في2015 خلال إعلانهم الثوري الذي حل بدوره مجلس النواب. ومع تشكيل هذا المجلس بدا وكأن صالح نجح بإعادة عقارب الساعة إلي ما قبل2011 حيث أرغم الحوثيين علي تأييد البرلمان الذي يحظي فيه بالأغلبية الساحقة, مقابل تحويل سلطة الأمر الواقع الذين هم علي رأسها إلي سلطة شرعية وإن بالحد الأدني. لكن هذه الترتيبات لم تمتد إلي ممارسات الحوثيين الإقصائية داخل مؤسسات الدولة, حيث جري إحلال الكثير من الشبان الحوثيين عديمي الخبرة محل كوادر المؤتمر, كما استمرت ازدواجية السلطة من خلال شبكة اللجان الثورية وكذلك التجنيد غير الرسمي لمصلحة جماعة الحوثي خارج المؤسسات العسكرية والأمنية. وبرغم جدية التهديد المشترك, وتوازن الضعف الذي يجبر صالح علي محالفة الحوثي لأنه لا يستطيع أن يحارب وحيدا, والتي تجبر الحوثي علي محالفة صالح لعجزه عن إدارة الدولة وحيدا, فإن مسار الأحداث لا يشي بتبلور أي تحالف إستراتيجي بين معادلة السلطة الحاكمة في الجانب الحيوي من اليمن. كيف ينظر التحالف العربي إلي هذه العلاقة المتذبذبة؟ بالمنظار السعودي كانت العلاقة غير المتينة في صنعاء تمثل كعب خيل الانقلاب الذي يمكن من خلاله اسقاط العاصمة اليمنية سياسيا بعد أن استعصت عسكريا, وهذا ما قد يفسر الدعوات الأحادية( الرسمية وغير الرسمية) التي كانت تقدمها الرياض لشريكي الانقلاب كل علي حدة. فتارة يعلن الجبير جلوسه علي طاولة واحدة مع الحوثيين, وبحسب مصادر موثوقة فإن محمد عبد السلام ظل يتردد علي نحو دائم علي ظهران الجنوب لإدارة حوار سياسي مباشر مع الجانب السعودي وذلك في الرمق الأخير من فترة أوباما. لكن ما ظنه الكثيرون مقدمات انفراجة سياسية كان بالأساس تكتيكا سعوديا لاستنزاف الوقت الضائع إلي حين مجيء ترامب وما يحمله من موقف متشدد حيال طهران وحلفائها, ما انعكس بدوره علي الموقف السعودي الذي بات أكثر تشددا حيال الحوثيين وأكثر ليونة تجاه صالح, وهو ما جاء علي لسان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي أشار في آخر لقاء تليفزيوني له إلي إمكان التعاطي مع صالح شريطة أن يتراجع عن موقفه المؤيد للحوثيين. فالتناقض البنيوي بين القوتين الحاكمين في صنعاء, وأزمة الثقة التي تغذيها تجارب التاريخ القريب والبعيد, تدفع بالكثيرين إلي المراهنة علي انفصام عري هذه الشراكة الهشة. بيد أن الحرب التي كانت المحرك الأبرز لأي تقارب, لا تزال حاضرة مع مزيد من التعقد, وهو ما يعني أن معارك الحسم هنا ستكون لصاحب النفس الطويل, وقدرة طرفي صنعاء علي الصمود لا تزال مرهونة بصمود تحالفهم. ومتي ما نجح الفاعلان الإقليميان أو المحليان بغرس إسفين الفرقة ما بينهم فإننا سنكون أمام متغير جوهري يمكننا من الحديث عن اختراقة عسكرية أو سياسية توصل الحرب اليمنية إلي نهايتها عوضا عما تعيشه من رتابة وجمود.