نستكمل حديثنا عن الأسباب التي تعين علي الصبر, ونتوقف عن اليقين بجزاء الله للصابرين, إذ أن مما يرغب الإنسان في العمل, ويزيده ثباتا فيه علمه بحسن جزائه في الآخرة ولا نجد في القرآن شيئا ضخم جزاؤه وعظم أجره مثل الصبر فيقول نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلي ربهم يتوكلون ويقول مبينا أن الصابرين يجزون بأحسن ما عملوا:(( ما عندكم ينفد وما عند الله باق, ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)), ويصرح بأن أجرهم غير معدود ولا محدود فيقول:(( إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب)), وقد ذكر المؤمنون بهذه الحقيقة في الكلمة التي أمروا أن يقولوها عند حلول المصائب:(( إنا له وإنا إليه راجعون)), فيتذكرون أنهم سيرجعون إلي الله فيجزيهم علي عملهم وصبرهم أحسن الجزاء وأوفاه. يقول أبو طالب المكي: وأصل قلة الصبر: ضعف اليقين بحسن جزاء من صبرت له, لأنه لو قوي يقينه, كان الآجل من الوعد عاجلا إذا كان الواعد صادقا, فيحسن صبره لقوة الثقة بالعطاء... الثقة بحصول الفرج: إن يقين العبد بأن النصر مقرون بالصبر وأن الفرج آت بعد الكرب وأن مع العسر يسرا يقويه علي الصبر علي ما يلاقيه, وقد كثرت الآيات الدالة علي هذا المعني لما له من أثر في مزيد التحمل والثبات, قال تعالي:(( فإن مع العسر يسرا, إن مع العسر يسرا)), قال بعضهم: لن يغلب عسر يسرين يقصد بذلك أن العسر ورد معرفة في الموضعين والمعرفة إذا كررت في الجملة لا تفيد التعدد بخلاف النكرة وهي التي ورد به اليسر في الموضعين, فإذا قلت: جاء الرجل وأكرت الرجل, كان الرجل في المواطنين واحدا, وإذا قلت: جاء رجل وأكرت رجلا, كان المقصود رجلين. وقد جعل العسر في الآيتين مع العسر لا بعده أو عقبه لينبه إلي قرب تحققه بعده حتي كأنه معه ولينبه أيضا إلي أن كل عسر مقرون بيسر وأكثر فما من مصيبة يبتلي بها عبد إلا ولله فيه إلطاف بأن لم يجعلها علي نحو أعظم أو أكبر أو أطول مما هي عليه. وقد تكرر في القرآن الأمر بالصبر مقرونا بالتذكير بأن وعد الله حق لا يتخلف أبدا قال تعالي:(( وعد الله لا يخلف الله الميعاد)), وقال:(( فاصبر إن وعد الله حق, ولا يستخفنك الذين لا يوقنون)). إن اشتداد الأزمة في سنن الله تعني قرب انبلاج الفجر وظهور طلائع النصر كما قيل: اشتدي أزمة تتفرجي قد أذن ليلك بالبلج. ولهذا نجد يعقوب يكون أمله في العثور علي يوسف أشد عندما أخذ ابنه الثاني فيقول:(( فصبر جميل عسي الله أن يأتيني بهم جميعا)), وقال لأبنائه(( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه, ولا تيأسوا من روح الله, إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)). والحديث موصول