حث الله تعالي عباده علي البذل في سبيله, ووعد علي ذلك بالفلاح في الدنيا والآخرة, ونهي النفوس عن الشح بالخير, وتوعد عليه بالخسران في الدنيا والآخرة, فالمتتبع لآيات القرآن الكريم يطالع قول الله تعالي:( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون), ويجد أن من صفات أهل الجنة أنهم يخصصون جزءا من أموالهم لوجوه الخير, قال تعالي:( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم), ويتبين له أن المزكي بماله في وجوه الخير سينجيه الله تعالي من النار يوم القيامة, يقول الله تعالي:( وسيجنبها الأتقي الذي يؤتي ماله يتزكي). يقول الدكتور يحيي زكريا أبو السعود بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين جامعة الأزهر بالقاهرة إن المتتبع أيضا لآيات القرآن الكريم يتبين له أن البخل بالمال مذمته شديدة عند الله تعالي, والبخلاء عليهم غضب ولهم عذاب شديد في الدنيا والآخرة, فلقد قص الله تعالي علينا في سورة القلم قصة أصحاب الجنة الذين اعتزموا قطف ثمارها ليلا; ليحرموا منها المساكين, وأخبرنا كيف محق ثمارهم, قال تعالي:( فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم) أي يبست وذهبت خضرتها ولم يبق شيء فيها- وقال تعالي عن المجرمين في النار:( قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين), وقال تعالي:( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) أي: سيلزمون وبال ما بخلوا به كإلزام الطوق- وقال تعالي:( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم). إذن فالإنسان الذي يؤدي حق الله تعالي عليه في ماله بأدائه في وجوه الخير علي وجهه الصحيح هو السعيد برضا الله تعالي في الدنيا والآخرة. وحق الله تعالي هذا هو الزكاة, تلكم العبادة المالية التي فرضها في شوال من السنة الثانية من الهجرة, وهي الركن الثالث من أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة. وقد سميت زكاة; لأنها تزكي العبد; أي تطهره من شح نفسه البغيض, وتطهر نفس الآخذ من الحسد لأخيه المعطي, ولذلك قال الله تعالي:( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها), وهي كذلك تزكي المال; أي تنميه, وتصونه من التلف والضياع; ولذلك قال الله تعالي:( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه), ولا شك أن المال الذي يكون مع الإنسان الخير الذي تهتف له القلوب بالدعاء وتحوطه الأيدي بالحماية والرعاية خير وأكثر حركة وبركة من مال من تبغضه القلوب, ولذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم أيضا:( حصنوا أموالكم بالزكاة, وداووا مرضاكم بالصدقة) رواه أبو داوود. ويشير الدكتور يحيي زكريا إلي أن هناك أمورا في غاية الأهمية منها أن الزكاة عبادة تسمو بنفس الفرد, فباذل الخير يأمن باطنا وظاهرا, وتحقق كذلك الأمن للمجتمع من لباس الجوع والخوف بجعله كالجسد الواحد الذي إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي, وهي تحمي المجتمع من التردي في هوة الرذيلة, فلا شك أن المال حين يكون دولة بين الأغنياء فقط سيكثر من يشتكي قسوة الحياة وذل الفاقة والحرمان, وهو ما يؤدي إلي انتشار الفساد وانعدام الأمن وكذلك اقتضت رحمة الله تعالي عدم وجوب الزكاة إلا علي من توفرت فيه شروط خاصة, كالإسلام, وملك النصاب- وهو مقدار من المال حدده الشارع الحكيم- ومرور سنة علي المال الذي بلغ النصاب, وفراغ مال الزكاة من الدين; فإن كان مع المسلم مال وجبت فيه الزكاة وعليه دين لأحد, وجب عليه سداد الدين أولا, فإن بلغ المتبقي بعد سداد الدين النصاب زكي وإلا فلا. وهناك مال يجب فيه العشر, كالزروع التي تخرج من الأرض بغير جهد يذكر من الإنسان, فإن كانت تسقي بالآلات فيجب فيها نصف العشر, وهناك مال يجب فيه ربع العشر5,2%, كالنقدين الذهب والفضة- وعروض التجارة, كلما بلغ النصاب وحال عليه الحول, وهناك مال يتمثل في الحيوانات, وقد وضع الإسلام لذلك نظاما خاصا. وللأسف الشديد أجد كثيرا من الناس يخلط بين زكاة المال وصدقة الفطر, وهما مختلفان تماما, فزكاة المال لها ضوابط مخصوصة وشروط محددة, وأما صدقة الفطر فتخرج في شهر رمضان; طعمة للفقير وطهرة للصائم. كما تخرج الزكاة لأصناف حددها القرآن الكريم, ومن هذه الأصناف التي تستحق الزكاة: الفقير الذي لا يملك شيئا, والمسكين الذي يكون عنده أقل مما يحتاج ولا يفطن له لعدم سؤاله للناس, وكذا تصرف الزكاة في تخليص الناس من أسر الدين, وتخرج كذلك في مصالح المسلمين كبناء المدارس وعمارة المساجد, وفي كل شيء ترفع به راية الإسلام, وتعطي للمسافر الذي ابتعد عن بلده وفارق أهله وماله ليبلغ إلي مقصده ويعود إلي أهله. وينبغي للمزكي عند إخراج الزكاة أن يتحلي بفقه الأولويات, وأن يتحري عند دفع الزكاة الموضع الذي يضعها فيه, فلقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع, وليعط الأحوج فالأحوج, والفقير القريب أولي من البعيد; لأن إعطاءه يكون صلة رحم أيضا. ولا يجوز إخراج الزكاة إلي الآباء والأجداد والأمهات والجدات والأبناء وأبناء الأبناء; لأنه يجب علي المزكي أن ينفق علي آبائه وإن علوا وأبنائه وإن نزلوا. وينبغي أن يعلم أن الإسلام كما حث أتباعه علي البذل والعطاء كذلك بين لهم أن اليد العليا خير من اليد الدنيا, وحذرهم أشد التحذير من السؤال ومن قبول الصدقة إلا في حالات الضرورة, فلقد مدح الله أقواما تعرف فقرهم بعلامات فيهم لا بسؤل منهم, فقال تعالي:( تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا), وقال صلي الله عليه وسلم:( والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب علي ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه), والله يقول الحق وهو يهدي السبيل, وصل اللهم وسلم علي خير البرايا أجمعين. من ناحية أخري يقول الدكتورعبد الله أبو الفتح بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين جامعة الأزهر بالقاهرة إن الزكاة هي الركن الثالث من الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام فعن عبد الله ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله- صلي الله عليه وسلم- يقول:, بني الإسلام علي خمس: شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله,وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصوم رمضان, وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا], وهذا يعني أنه لا يمكن أن يكتمل إسلام المسلم إلا بعد قيامه بهذه الأركان والتي منها الزكاة, فعن أبي أمامة رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله- صلي الله عليه وسلم- يخطب في حجة الوداع فقال:, اتقوا الله, وصلوا خمسكم, وصوموا شهركم, وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم, تدخلون جنة ربكم]. والزكاة في اللغة تعني النمو والبركة وزيادة الخير, يقال زكا الزرع: إذا نما, وزكت النفقة إذا بورك فيها, وفلان زاك: أي كثير الخير, وتطلق علي التطهير. قال تعالي:, قد أفلح من زكاها] أي طهرها من الأدناس, ولقد عرف الفقهاء الزكاة بأنها: اسم لقدر مخصوص من مال مخصوص يجب صرفه لأصناف مخصوصة بشرائط محددة, وهذا معناه: أن الذين يملكون نصاب الزكاة يفترض عليهم أن يعطوا الفقراء ومن علي شاكلتهم من مستحقي الزكاة قدرا معينا من أموالهم بطريق التمليك. وسميت بذلك الاسم; لأن المال ينمو ببركة إخراجها ودعاء آخذها ممن يستحقها من الأصناف المعدودة في قول الله تبارك وتعالي سورة التوبة, إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم]. ومن بركات الزكاة أيضا أنها تطهر قلب مخرجها من الإثم وتشهد له بصحة الإيمان, كما أن من أهم الفوائد الجليلة لإخراج الأغنياء زكاة أموالهم لمستحقيها إزالة للأحقاد والضغائن التي تكون في صدور الفقراء والمعوزين, فإن الفقراء إذا رأوا تمتع الأغنياء بأموالهم, مع عدم عود أي نفع عليهم بشيء منها, لا بقليل ولا بكثير فمن المتحتم أن تمتلئ قلوبهم عداوة وحقدا علي هؤلاء الأغنياء الذين لم يراعوا لهم حقوقهم التي أوجبها الشرع الشريف لهم في تلك الأموال, أما إذا التزم الأغنياء بما أوجبه الشرع الشريف عليهم من أداء زكاة أموالهم علي رأس كل عام فإنه بذلك تحصل المودة بين أبناء الأمة المسلمة ويسود الحب والوئام بين طبقات المجتمع المسلم. ويوضح الدكتور عبدالله أبو الفتح أنه لهذا توعد الشرع الشريف هؤلاء الأغنياء الذين يبخلون بأموالهم فيكنزونها ولا يؤدون حق الله تعالي فيها من الزكاة فقال عز من قائل:, ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيمة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير] وقال جل وعلا:, والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون], وهذا يعني أن عذاب مانعي الزكاة يكون في هذه المواضع لأن بخلهم بالمال عن إنفاقه كان لغرض شهواتهم في الدنيا; كالجاه والسمعة وحفظ ماء الوجه, وتحصيل السرور الذي يبدو بانفراج أساريره, وكالالتذاذ بأنواع المآكل التي تملأ البطون فتنتفخ منها الجنوب, وكالتمتع باللباس الذي يطرح غالبه علي الظهر, ولأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا, وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه, وتولوا بأركانهم, وولوه ظهورهم; فناسب أن يكونوا في هذه المواضع التي نتجت عن منع الزكاة, ومن أليم الوعيد علي منع إخراج الزكاة ما رواه سيدنا أبو هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلي الله عليه وسلم-:, من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه, يقول: أنا مالك أنا كنزك].