بدء عمليات الفرز بالإسكندرية بعد انتهاء التصويت في الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى    ماذا حدث في سوق الذهب العالمي والمحلي اليوم؟    وزير السياحة يعقد لقاءات مهنية مع منظمي الرحلات بالسوق الأمريكية    «سقطت سهوًا» | العراق يتراجع عن تصنيف حزب الله والحوثيين «إرهابيين»    بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات.. تعرف على مجموعة الأهلي    الأهلي طرابلس يفوز على أهلي بنغازي ويتوج بكأس ليبيا    من «ميت بشار» ل «السدرة».. التماسيح تغزو مياه النيل في الشرقية (صور)    إطلالة جذابة ل «داكوتا جونسون» بافتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2025 | صور وفيديو    هيئة قصور الثقافة تنعى الشاعر الكبير فوزى خضر    دار الإفتاء تؤكِّد: «البِشْعَة» ممارسة محرَّمة شرعًا ومُنافية لمقاصد الشريعة    وزير الصحة: أمراض الجهاز التنفسي تتطلب مجهودا كبيرا والقيادة السياسية تضع الملف على رأس الأولويات الوطنية    مراسلة إكسترا نيوز: اشتعال المنافسة في الإسكندرية بين 16 مرشحا على 3 مقاعد    أحمد محمود يحصد ذهبية بطولة أبطال الجمهورية في الووشو كونغ فو    ما الحكمة من تناثر القصص القرآني داخل السور وعدم جمعها في موضع واحد؟.. خالد الجندي يوضح    الأقصر تشهد أضخم احتفالية لتكريم 1500 حافظ لكتاب الله بجنوب الصعيد    الإدارية العليا تغلق باب الطعون على نتيجة النواب بالمرحلة الثانية ب300 طعن في 48 ساعة    الوطنية للانتخابات: تسليم الحصر العددي لمن يطلب من المرشحين أو الوكلاء وليس للمندوب    "المصل واللقاح" يكشف حقائق صادمة حول سوء استخدام المضادات الحيوية    بعد غد.. فصل التيار الكهربائي عن مناطق وقرى بالرياض في كفر الشيخ لمدة 5 ساعات    ننشر الجدول الزمنى للإجراءات الانتخابية بالدوائر الملغاة بانتخابات النواب    سوريا ضد قطر.. التعادل السلبي ينهى الشوط الأول بكأس العرب 2025    تحولات الدور التركى فى الساحل الإفريقى    البورصة تسجل قفزة في سوق الصفقات بقيادة شارم والخليج الإنجليزية    محافظ قنا ل إكسترا نيوز: غرفة عمليات لمتابعة الانتخابات على مدار الساعة    هنو يكرم خالد جلال «صانع النجوم»    محافظ الدقهلية يقدم العزاء في وفاة الحاجة «سبيلة» بميت العامل بمركز أجا| صور    تغيير ملاعب مباريات الأهلي والزمالك في كأس عاصمة مصر    بانوراما مصغرة ل«المتحف المصري الكبير» بإحدى مدارس كفر الزيات    الأزهر للفتوى يوضح: اللجوء إلى البشعة لإثبات الاتهام أو نفيه ممارسة جاهلية    توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين وزارة الخارجية ومحافظة كفرالشيخ لإتاحة خدمات التصديقات داخل المحافظة| صور    حفل جوائز التميز الصحفى الإثنين |تكريم «الأخبار» عن تغطية افتتاح المتحف الكبير    دير شبيجل: ماكرون حذر زيلينسكي وميرتس من خيانة أمريكية    تأثير الموسيقى.. كيف تغير المزاج وتزيد التركيز؟    بيان من نادي كهرباء الإسماعيلية بسبب الشائعات بين المرشحين على مواقع التواصل    وفاة معلم أثناء طابور الصباح في القاهرة    ياسمين الخيام تكشف التفاصيل الكاملة لوصية والدها بشأن أعمال الخير    الكرملين: الهند شريك رئيسي لروسيا.. والعلاقات بين البلدين متعددة الأوجه    إجراءات التقديم لامتحان الشهادة الإعدادية 2026    تحويلات مرورية في القاهرة.. تعرف عليها    نائب رئيس الوزراء: القيادة السياسية تضع الملف الصحي على رأس الأولويات الوطنية    السفيرة الأمريكية بالقاهرة: نسعى لدعم وتوسيع الشراكة الاستراتيجية مع مصر    العمل" تُوفر 10 وظائف للشباب في" الصناعات البلاستيكية الدقيقة بالجيزة    الداخلية تضبط شخصا يوزع أموالا على الناخبين بطهطا    الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل ياسر أبو شباب على يد مسلحين فى غزة    ثقافة الغربية تناقش كتابات نجيب محفوظ احتفالا بذكرى ميلاده    رئيس الوزراء يصدر 10 قرارات جديدة اليوم    أبو الغيط: جائزة التميز الحكومي رافعة أساسية للتطوير وتحسين جودة حياة المواطن العربي    الطقس غدا.. تغيرات مفاجئة وتحذير من شبورة كثيفة وأمطار ونشاط رياح وأتربة    لجان لفحص شكوى أهالي قرية بالشرقية من وجود تماسيح    في غياب الدوليين.. الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة إنبي بكأس العاصمة    ضبط شخص بحوزته عددا من بطاقات الرقم القومي للناخبين في قنا    خسائر بالملايين| الحماية المدنية تسيطر على حريق بمعرض أجهزة كهربائية بالوراق    موعد صلاة الظهر..... مواقيت الصلاه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى المنيا    الحقيقة الكاملة حول واقعة وفاة لاعب الزهور| واتحاد السباحة يعلن تحمل المسئولية    الصحة: مباحثات مصرية عراقية لتعزيز التعاون في مبادرة الألف يوم الذهبية وتطوير الرعاية الأولية    اليوم.. إطلاق إعلان القاهرة الوزارى لحماية البحر المتوسط فى COP24    استقرار أسعار الذهب اليوم الخميس.. والجنيه يسجل 45440 جنيهًا    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزير الإعلام الأسبق الدكتور سامي الشريف: يكشف الحقيقة بين الإعلام والإرهاب
الإعلام العربي في مأزق بسبب الإرهاب
نشر في الأهرام المسائي يوم 16 - 06 - 2017

أصبح الإرهاب بكل أشكاله ظاهرة عالمية تخطت أخطارها كل الحدود, وأدركت كل دول العالم وشعوبه حتمية تنسيق الجهود لمحاصرته والتصدي له.
وفي كل المحاولات المحلية والإقليمية والدولية التي سعت لوضع خطط وإستراتيجيات لمكافحة الإرهاب كان الإعلام حاضرا علي الدوام بوصفه أحد أهم الوسائل التي يمكن إذا ما أحسن توظيفها أن تكون أدوات فاعلة للتصدي للإرهاب والقضاء عليه.
وبرزت أهمية دور الإعلام بوصفه محددا مهما لتفاقم ظاهرة الإرهاب, وفي الوقت ذاته وسيلة مهمة للقضاء عليها. ويبدو أن التطورات المتلاحقة التي شهدها العالم بثورتي الاتصال وتكنولوجيا المعلومات قد وفرت فرصا غير مسبوقة للإرهاب كي يبث رسائله وأفكاره عبر الحدود دون عوائق أو قيود.
حول دور الإعلام في التصدي للإرهاب وإيمانا بالدور المهم الذي يضطلع به الإعلام في مكافحة الإرهاب وفي محاولة للوقوف علي ملامح إستراتيجية إعلامية للتصدي للإرهاب وتفنيد مزاعمه, كان هذا الحوار مع الدكتور سامي الشريف عميد كلية الإعلام بالجامعة الحديثة للتكنولوجيا والمعلومات, وزير الإعلام ورئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق:
العلاقة بين الإرهاب والإعلام مثار جدل وخلاف, هل هي علاقة دعم أم علاقة مواجهة؟
الإرهاب ظاهرة عالمية لا تقتصر علي دولة أو منطقة بعينها, وأكدت الأحداث التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة أنه ليس ثمة دولة أو شعب بمعزل عن جحيم الإرهاب وأخطاره.
وإذا كانت الآلة الإعلامية الأمريكية قد نجحت بدهاء خارق في إلصاق تهمة الإرهاب بالعرب والمسلمين في أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام2001, وما تبعها من تداعيات سممت الأجواء في العلاقات بين الإسلام والغرب, فإن الدارس لتاريخ الغرب يلمس بوضوح ما وقع فيه من أعمال إرهابية راح ضحيتها الملايين من الأبرياء, ودمرت بسببها دول وحضارات بدءا بمحاكم التفتيش ومرورا بالحروب الصليبية وحروب الإبادة الجماعية وانتهاء بالمواقف الغربية المساندة لقوي الاحتلال والتدخل العسكري في فلسطين والعراق وسوريا وأفغانستان وسياسة الكيل بمكيالين في قضايا الصراع الدولي والعنف والإرهاب.
إن هذه الأحداث تجعلنا ندرك أن الدول الغربية هي الأولي بوصف الإرهاب كونها الصانعة والمساندة له وليس العرب والمسلمون.
وجاء فشل الأمم المتحدة بكل هيئاتها في وضع تعريف شامل ومقبول للإرهاب تارة بسبب محاولات تسييس المصطلح وتارة بسبب الخلط بين مفهوم الإرهاب, ومفاهيم المقاومة المشروعة والكفاح المسلح ضد قوي الاحتلال.
الإعلام.. والإرهاب الفكري
يعتبر البعض الإعلام وسيلة مؤثرة في مكافحة الإرهاب وكشف أساليبه وحشد الرأي العام ضد الجماعات الإرهابية, فيما ذهب آخرون إلي أنه أحد أهم وسائل دعم الإرهابيين وتبرير أفعالهم, كما اتهمه الكثيرون بممارسة الإرهاب الفكري أين الحقيقة؟
في كل الإستراتيجيات والخطط التي أعدتها الدول والمنظمات الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب, يبرز الإعلام كواحد من أهم وأقوي الوسائل التي ترتبط بظاهرة الإرهاب.
ويعد الإرهاب الفكري أخطر أنواع الإرهاب وأكثرها خطورة, فهو يسعي لتجميد العقل وقتل الحريات وتكميم الأفواه ومصادرة حريات الآخرين في الإبداع والتفكير وحق الاختلاف.
إذا كان الإرهاب الفكري مرضا تعاني منه مختلف المجتمعات. بدرجات متفاوتة. فإن انتشاره يزداد في المجتمعات الديكتاتورية المغلقة ذات الثقافة الشمولية.
هذه المجتمعات تسعي السلطات المسيطرة إلي فرض وتدعيم نفوذها ونشر أفكارها من خلال كبت الحريات ومصادرتها.
والواقع أن الإرهاب الفكري الذي يأخذ أشكالا وصورا متعددة هو واحد من أهم البني التحتية للإرهاب.
إن الإرهاب الفكري هو الخطر الحقيقي علي الشعوب, فمواجهة الإرهاب الدموي الذي يلجأ إلي القتل والعنف والترويع وحمل السلاح أسهل بكثير من محاولات نزع فكرة متخلفة من عقل إنسان. إن خطر الفكرة المتخلفة أشد قوة وتأثيرا من خطر الرصاصة, فالرصاصة قد تصيب إنسانا, لكن الفكرة المتخلفة فقد تهدد كيان أمة بالكامل.
كما أدركت الحكومات. علي مر التاريخ. أهمية وسائل الإعلام وسعت إلي امتلاكها والسيطرة عليها أو ترويضها علي أقل تقدير, فقد أدركت الجماعات الإرهابية أهمية وسائل الإعلام بوصفها الأداة التي يمكن استغلالها في نشر أفكارها والترويج لها, كيف تري ذلك؟
بدأ الصراع بين قوي الخير وقوي الشر علي امتلاك وسائل الإعلام وبسط النفوذ عليها قدرا محتوما عضد من قوته هذا التطور السريع وغير المسبوق لوسائل الاتصال والمعلومات التي شهده العالم في السنوات الأخيرة من القرن الماضي وتضاعفت قوته بحلول القرن الجديد.
فوسائل الإعلام هي القوة الفاعلة والمؤثرة في المواجهة بين الحكومات والجماعات الإرهابية, إلا أن هذه القوه قد تستخدم في تعزيز جهود الحكومات في مواجهة الإرهاب, وقد تستخدم في دعم الإرهابيين وتمكينهم.
وفي وصف العلاقة بين الإرهاب والإعلام قالت المرأة الحديدية مارجريت تاتشر عندما كانت رئيسة وزراء بريطانيا إن عمليات الإعلام والإعلان والذيوع الذي تنشره وسائل الإعلام حول الأعمال الإرهابية هي الاوكسجين اللازم للإرهاب والذي لا يستطيع الاستغناء عنه.
كما ذهب الكثيرون الي المبالغة في وصف تلك العلاقة بين الإرهاب والإعلام مثل أن( الإعلامي هو أفضل صديق للإرهابي).
كما يري آخرون أن العمل الإرهابي ليس شيئا في حد ذاته, بل إن الإعلام عنه هو كل شيء!!
ويمكننا تفسير تلك العلاقة بالقول إن الإرهاب والإعلام متلازمان يركض كل منهما وراء الآخر, فوسائل الإعلام تسعي إلي تحقيق السبق الإعلامي, وفي سبيل ذلك فإنها تركض وراء الأخبار والمعلومات المثيرة والتي تمثل الأعمال الإرهابية ذروتها, كما أن المنظمات والجماعات الإرهابية تسعي للوصول إلي وسائل الإعلام لإيصال رسالتها ونشر أفكارها وبث الرعب والخوف في نفوس خصومها.
نفهم من ذلك أن العلاقة بين الإرهاب والإعلام ستظل علاقة شديدة التعقيد بالنظر إلي تعدد أبعادها, وغموض أسبابها ودوافعها؟
التغطية الإعلامية لأنشطة الجماعات الإرهابية ولجهود الدول والحكومات لتقويضها والقضاء عليها كانت ولا تزال محل خلاف وجدل كبيرين.
ويكون ذلك من خلال تحليل نوعية العلاقة بين كل طرف من تلك الأطراف بوسائل الإعلام.
لكن اهتمت الجماعات الإرهابية منذ وقت طويل بتوظيف الإعلام لخدمة أغراضها وتحقيق أهدافها. وعلي مدي التاريخ وظفت النظم الديكتاتورية والراديكالية وسائل الإعلام واحتكرتها وطوعتها لتبرير أخطائها والدفاع عن مواقفها؟
اهتم الزعيم النازي هتلر بوسائل الإعلام واستحدث وظيفة( وزير الإعلام) لبسط نفوذه علي تلك الوسائل بوصفها أفضل السبل لتحقيق طموحاته لإخضاع أوروبا والعالم لسيطرته, فقد اهتم جميع الزعماء الديكتاتوريين بالسيطرة علي وسائل الإعلام وتوجيهها.. وعلي نفس النهج سار الإرهابيون في كل مكان حين أدركوا أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام للدفاع عن أفكارهم وتبرير أفعالهم اللامشروعة.
ففي عام1988 أنشأ زعيم القاعدة أسامة بن لادن( إدارة إعلام القاعدة) كجزء رئيسي من الهيكل التنظيمي.
وركزت تلك الإدارة في بداياتها علي الاحتفاء بالمجاهدين المسلمين في أفغانستان الذين كانوا يحاربون السوفيت.
وبعد انسحاب القوات الروسية وجهت إدارة الإعلام في القاعدة بوصلتها صوب الولايات المتحدة وإسرائيل( اللتين كانتا القوة الداعمة لتنظيم القاعدة منذ نشأته), ثم وجهت الإدارة سهامها نحو بعض الأنظمة العربية المناوئة لها وعلي رأسها المملكة العربية السعودية.
كما دشن تنظيم القاعدة موقع( النداء) علي شبكة الإنترنت في أوائل عام2002 لبث أفكاره وترويج مبادئه, وتوجد عشرات الآلاف من المواقع الإلكترونية التابعة للجماعات الإرهابية في مختلف دول العالم, والتي تتزايد أعدادها مع التطورات التكنولوجية المتسارعة لشبكة الإنترنت.
شبكة الإنترنت واحدة من أهم أدوات القوة الناعمة التي نجحت الجماعات الإرهابية في توظيفها لخدمة أغراضها؟
إذا كان امتلاك الجماعات والتنظيمات الإرهابية لوسائل إعلام خاصة بها يعد أمرا مشروعا في ظل صراعها مع الدول والشعوب المختلفة, فإن ما يثير الريبة هو أساليب تعامل تلك الجماعات والتنظيمات مع وسائل الإعلام غير التابعة لها.
لقد أدركت الجماعات والتنظيمات الإرهابية أهمية وخطورة وسائل الإعلام الجماهيرية وقدرتها الفائقة علي التأثير في الرأي العام وتوجيهه.
وتستغل الجماعات والتنظيمات الإرهابية الحاجة الماسة لوسائل الإعلام للحصول عل المعلومات وتحقيق السبق الإعلامي, فتصدر لها أخبارها وتحركاتها بحثا عن الأضواء وإثارة البلبلة في الشارع وإحداث حالة من الرعب الجماهيري.
وعندما تقوم وسائل الإعلام بتغطية الأحداث والعمليات الإرهابية فإنها توفر للإرهابيين فرصا ذهبية للذيوع والانتشار وتقدم لهم خدمة مجانية قوية ومؤثرة.
كما أن ظهور القيادات الإرهابية وإجراء الحوارات الصحفية والتليفزيوينة معهم يحقق لها الشهرة والانتشار فيستمع الناس يشاهدون هؤلاء الإرهابيين الذين يبذلون جهدا كبيرا في تبرير أفعالهم والإقناع بأفكارهم التي ربما تتوافق مع كثير ممن يتابعون تلك اللقاءات والحوارات فيقتنعون بما يقوله هؤلاء الإرهابيون خاصة أنهم يوظفون الدين لتبرير أفعالهم والإقناع بأفكارهم, كما يستغلون السخط الشعبي علي الحكومات في الدول النامية والفقيرة التي لم تستطع أن تحقق آمال شعوبها وتركتهم ضحية للفقر والجهل والمرض في حين يتمتع قادتهم وزعماؤهم بخيرات بلدانهم الفقيرة.
يمكن القول إن الأحداث الإرهابية صفقة تسعي كل وسائل الإعلام للفوز بها في إطار منافسة شرسة فرضتها الزيادة المفرطة في أعداد وسائل الإعلام وحرصها علي جذب مزيد من الجمهور لتحقيق المزيد من الإعلانات ومن ثم الأرباح إلي أي مدي صحة هذه العبارات؟
أثبتت الدراسات أنه في ظل المنافسة الشديدة بين وسائل الإعلام فإن معظمها يغلب معيار( السبق) علي معايير الدقة والموضوعية عند اختيار القصص الإخبارية التي تتم تغطيتها.
وإذا نظرنا لواقع وسائل الإعلام في مجتمعاتنا العربية نجد أنها ثلاثة أنماط أولها وسائل إعلام رسمية تملكها وتسيطر عليها الحكومات وهي في الغالب ضعيفة المستوي متواضعة الإمكانات ولا تحظي بثقة المواطنين ولا تتمتع بالمصداقية, ومن ثم ينصرف الجمهور عنها ولا يعيرها إلا القليل من الاهتمام.
والثانية وسائل الإعلام الحزبية وهي ليست أفضل حالا من مثيلاتها الرسمية, وهي عادة لا تحظي بالشعبية والجماهيرية تماما كما هو حال الأحزاب السياسية التي تعبر عنها.ومن ثم ينصرف الناس عنها ولا يعتبرونها مصادر موثوقة للأخبار والمعلومات.
أما النوع الثالث فهو وسائل الإعلام الخاصة والتي ربما تحظي بدرجة أكبر من الجماهيرية, وتمتلك إمكانات فنية وبشرية أكثر تميزا, وتتمتع بدرجة أكبر من الحرية قياسا بوسائل الإعلام الرسمية والحزبية.
ويمكننا تفسير تلك العلاقة بالقول إن الإرهاب والإعلام متلازمان يركض كل منهما وراء الآخر, وتعد وسائل الإعلام الخاصة الأنسب لتحقيق طموحات الدول والحكومات لتنفيذ خططها لمكافحة الإرهاب, إلا أن طبيعة عمل هذه الوسائل, وطبيعة الأهداف التي أنشئت من أجلها والتي يأتي تحقيق الأرباح في مقدمتها تحول دون إمكان توظيفها كأدوات فاعلة لمكافحة الإرهاب, ذلك أن بعضا من هذه الوسائل الخاصة يعتمد بشكل أساسي علي الإثارة والتشويق فيما تقدمه من موضوعات, كما أن بعضا منها يتخذ من الحكومات والسلطات الرسمية خصما لا يمكنها التعاون معه حتي في حربه المشروعة ضد الإرهاب!!
وتعد التغطية الإعلامية لأنشطة الجماعات والتنظيمات الإرهابية بمثابة اعتراف صريح بوجودها ومشروعية ما تقوم به من أعمال. ومن هنا تواجه الدول والحكومات العربية مأزقا بالغ الخطورة حين لا تجد منابر إعلامية قوية ومؤثرة في حربها ضد الإرهاب.
فوسائل الإعلام العربية علي اختلاف توجهاتها وأنماط ملكيتها تعتبر المنظمات الإرهابية مصدرا مهما من مصادر الحصول علي الأخبار والمعلومات الساخنة التي تضمن تغطيتها لتلك الوسائل سبقا وتفوقا في حربها الشرسة ضد منافسيها بين الوسائل الإعلامية الأخري.
وفي سعيها الدءوب لتحقيق السبق والتفوق تقع وسائل الإعلام العربية أحيانا كثيرة بقصد, وأحيانا قليلة بغير قصد في أخطاء تمنح الإرهابيين ومنظماتهم فرصا ذهبية لعرض أفكارهم ورؤاهم, وكسب المؤيدين والمتعاطفين معهم.
ودفع ذلك العديد من الباحثين إلي اتهام وسائل الإعلام بالتعاطف مع الإرهابيين ودعم أنشطتهم بوصفها منابر تنجح الجماعات والتنظيمات الإرهابية في النفاذ إليها واستغلالها لتحقيق أهدافها.
هل يمكن أن ترصدوا أهم نقاط النقد التي يمكن توجيهها لوسائل الإعلام في إطار تغطيتها الإعلامية للأنشطة والأعمال الإرهابية؟
نقاط عديدة للغاية منها أن المبالغة والتهويل في تغطية العمليات الإرهابية والتركيز تؤدي إلي إبراز الآثار السلبية الناجمة عنها, إلي التأكيد علي قوة الجماعات والتنظيمات الإرهابية علي أرض الواقع, وقدرتها علي مواجهة كل الإجراءات الأمنية التي تقوم بها الحكومات.
كما أن سعي وسائل الإعلام إلي التواصل مع القيادات الإرهابية, وإجراء مقابلات صحفية وتليفزيونية معها في كثير من الأحيان يؤدي إلي كسب المزيد من التأييد والشعبية حيت تتاح لهم فرص عرض أفكارهم وتبرير مواقفهم مما يمنحهم مزيدا من الشرعية والقبول.
وأثبتت العديد من التحقيقات التي أجريت مع بعض مرتكبي الأعمال الإرهابية في العراق أنهم تأثروا كثيرا بما كانت تعرضه قناة الجزيرة من مقابلات مع قيادات المنظمات الإرهابية, وقرروا الانضمام إليها والعمل داخل صفوفها.
كما أن نجاح قيادات تنظيم داعش في عرض أفكارهم عبر وسائل الإعلام الغربية ومواقع التواصل الاجتماعي دفع العديد من الشباب الغربي للانخراط في هذا التنظيم والتطوع في صفوف المقاتلين في كل من العراق وسوريا.
ويؤدي حرص وسائل الإعلام علي عرض المناظر البشعة والمثيرة لضحايا الإرهاب من قتل وقطع للرءوس علي شاشات التليفزيون ومواقع الإنترنت إلي فقدان التعاطف الشعبي الذي كانت تسعي وسائل الإعلام إلي تحقيقه, ذلك أن تكرار مثل هذه المناظر يجعل المواطنين يعتادون عليها وتصبح بالتدريج غير ذات تأثير.
كما أشار بعض علماء النفس والاجتماع إلي أن تعرض الصغار والناشئة لمثل هذه اللقطات والصور بشكل مستمر ربما يؤدي إلي تقليدها في حياتهم العادية. وتلجأ معظم وسائل الإعلام للطابع الإخباري عند تغطيتها لأحداث الإرهاب علي حساب التغطية ذات الطابع التحليلي والتفسيري مما يؤدي إلي السطحية الشديدة في فهم الظاهرة الإرهابية وسبل التعامل معها ومكافحتها.
ويلمس المتابع للعديد من وسائل الإعلام العربية ضعفا شديدا من جانب الكوادر الإعلامية التي تتصدي لمناقشة قضايا الإرهاب وتغطية الأعمال الإرهابية, فالغالبية العظمي منهم يفتقدون للحد الأدني من الثقافة والرؤية الشاملة لقضايا الإرهاب مما يسفر عن تغطية سطحية ساذجة تمنح الإرهابيين تعاطفا شعبيا أكبر حين يظهرون بمظهر الضحية لأنظمة الحكم التي تطاردهم وتسعي إلي قتلهم وتشريدهم.
وتقوم وسائل الإعلام في بعض الأحيان وفي إطار تحقيق السبق الاخباري إلي المتابعة الدقيقة لكل الخطط الأمنية لملاحقة الإرهابيين, من خلال تقارير إخبارية ولقاءات مع القيادات الأمنية التي يتباري بعضهم في الحديث عن جهود الأجهزة الأمنية لمتابعة الإرهابيين مما يؤدي في بعض الأحيان إلي تزويد الإرهابيين بمعلومات يمكن أن تساعدهم في تضليل قوات الأمن والإفلات بجرائمهم.
وإنه بصرف النظر عن التغطية الإعلامية لقضايا العنف والإرهاب فإن وسائل الإعلام العربية متهمة بأنها توفر مناخا حاضنا للإرهاب بما تقدمه من أفكار متطرفة وفتاوي فاسدة تحض عل العنف ورفض الآخر. وفي الوقت نفسه تقوم بهجوم مباشر علي المعتقدات والرموز الدينية وازدرائها والسخرية منها. كما أدي ظهور القنوات الدينية المذهبية إلي مزيد من الصراعات الفقهية والطائفية, ونشر الشبهات مما انعكس بالسلب علي الفهم الصحيح للدين, وعمق الخلافات بين المسلمين, وأذاع فكر التكفير والتفسيق بين الفرق والمذاهب المختلفة. ووجد الفكر التكفيري ضالته في بعض القنوات الدينية التي راحت تزكي روح الفرقة والانقسام بين أبناء الأمة الإسلامية, وتنفث روح العداء والبغضاء بينهم من خلال نظرة مذهبية ضيقة وخطاب إعلامي متعصب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.