لقد أصبح الإرهاب بكافة أشكاله ظاهرة عالمية تخطت أخطارها كل الحدود. وأدركت كل دول العالم وشعوبه حتمية تنسيق الجهود لمحاصرته والتصدي له. وفي كل المحاولات المحلية والإقليمية والدولية التي سعت لوضع خطط واستراتيجيات لمكافحة الإرهاب كان ¢الإعلام¢ حاضراً علي الدوام بوصفه أحد أهم الوسائل التي يمكن إذا ما أحسن توظيفها أن تكون أدوات فاعلة للتصدي للإرهاب والقضاء عليه. ولقد برزت أهمية دور الإعلام بوصفه محددًا هامًا لتفاقم ظاهرة الإرهاب. وفي ذات الوقت وسيلة هامة للقضاء عليها. ولطالما اتىهمت وسائل الإعلام بتوفير بيئة خصبة لإنتاج وصناعة الإرهاب بما تنشره وتروج له من قيمي وأفكار متطرفة. كما أنها كثيرًا ما تكون منابر يخاطب من خلالها الإرهابيون كل شعوب العالم مدافعين عن وجهات نظرهم ومبررين أعمالهم الإرهابية وداعين لمزيد من الدعم والتأييد. ويبدو أن التطورات المتلاحقة التي شهدها العالم بثورتي الاتصال وتكنولوجيا المعلومات قد وفرت فرصًا غير مسبوقة للإرهاب كي يبث رسائله وأفكاره عبر الحدود دون عوائق أو قيود. ولطالما كانت العلاقة بين الإرهاب والإعلام مثار جدل وخلاف. هل هي علاقة دعم أم علاقة مواجهة؟! وفي كل الاستراتيجيات والخطط التي أعدتها الدول والمنظمات الاقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب. يبرز الإعلام كواحد من أهم وأقوي الوسائل التي ترتبط بظاهرة الإرهاب. ففي حين اعتبره البعض وسيلة هامة ومؤثرة في مكافحة الإرهاب وكشف أساليبه وحشد الرأي العام ضد الجماعات الإرهابية. اعتبره آخرون أحد أهم وسائل دعم الإرهابيين وتبرير أفعالهم. كما اتهمه الكثيرون بممارسة الإرهاب الفكري. ويعد الإرهاب الفكري أخطر أنواع الإرهاب وأكثرها خطورة. فهو يسعي لتجميد العقل وقتل الحريات وتكميم الأفواه ومصادرة حريات الآخرين في الإبداع والتفكير وحق الاختلاف. إن الإرهاب الفكري هو الخطر الحقيقي علي الشعوب. فمواجهة الإرهاب الدموي الذي يلجأ الي القتل والعنف والترويع وحمل السلاح أسهل بكثير من محاولات نزع فكرة متخلفة من عقل إنسان. وكما أدركت الحكومات علي مر التاريخ أهمية وسائل الإعلام وسعت إلي امتلاكها والسيطرة عليها أو ترويضها علي أقل تقدير. فقد أدركت الجماعات الإرهابية أهمية وسائل الإعلام بوصفها الأداة التي يمكن استغلالها في نشر أفكارها والترويج لها. وبدا الصراع بين قوي الخير وقوي الشر علي امتلاك وسائل الإعلام وبسط النفوذ عليها قدرًا محتومًا عضَّد من قوته هذا التطور السريع وغير المسبوق لوسائل الاتصال والمعلومات التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة من القرن الماضي وتضاعفت قوته بحلول القرن الجديد. وفي وصف العلاقة بين الإرهاب والإعلام قالت المرأة الحديدية مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا "إن عمليات الإعلام والإعلان والذيوع الذي تنشره وسائل الإعلام حول الأعمال الإرهابية هي الاوكسجين اللازم للإرهاب والذي لا يستطيع الاستغناء عنه". كما ذهب الكثيرون الي المبالغة في وصف تلك العلاقة بين الإرهاب والإعلام فيشير - Walter Laqueur - إلي أن "الإعلامي هو أفضل صديق للارهابي". كما يري آخرون أن العمل الإرهابي ليس شيئًا في حد ذاته. بل إن الإعلام عنه هو كل شئ!! ويمكننا تفسير تلك العلاقة بالقول إن الإرهاب والإعلام متلازمان يركض كل منهما وراء الآخر. فوسائل الإعلام تسعي إلي تحقيق السبق الإعلامي. وفي سبيل ذلك فإنها تركض وراء الأخبار والمعلومات المثيرة والتي تمثل الأعمال الإرهابية ذروتها. كما أن المنظمات والجماعات الإرهابية تسعي للوصول إلي وسائل الإعلام لإيصال رسالتها ونشر أفكارها وبث الرعب والخوف في نفوس خصومها. ويمكن القول إن ¢الأحداث الإرهابية¢ صفقة تسعي كل وسائل الإعلام للفوز بها في إطار منافسة شرسة فرضتها الزيادة المفرطة في أعداد وسائل الإعلام وحرصها علي جذب مزيد من الجمهور لتحقيق المزيد من الاعلانات ومن ثم الأرباح. ولقد أثبتت العديد من الدراسات أنه في ظل المنافسة الشديدة بين وسائل الإعلام فإن معظمها يُغَّلِب معيار "السبق" علي معايير الدقة والموضوعية عند اختيار القصص الإخبارية التي تتم تغطيتها. وإذا نظرنا لواقع وسائل الإعلام في مجتمعاتنا العربية نجد أنها ثلاثة أنماط أولها وسائل إعلام رسمية تملكها وتسيطر عليها الحكومات وهي في الغالب ضعيفة المستوي متواضعة الامكانيات ولا تحظي بثقة المواطنين ولا تتمتع بالمصداقية. ومن ثم ينصرف الجمهور عنها ولا يعيرها إلا القليل من الاهتمام. والثانية وسائل الإعلام الحزبية وهي ليست أفضل حالاً من مثيلاتها الرسميات. وهي عادة لا تحظي بالشعبية والجماهيرية تماماً كما هو حال الأحزاب السياسية التي تعبر عنها. ومن ثم ينصرف الناس عنها ولا يعتبرونها مصادر موثوقة للأخبار والمعلومات. أما النوع الثالث فهو وسائل الإعلام الخاصة والتي ربما تحظي بدرجة أكبر من الجماهيرية. وتمتلك إمكانيات فنية وبشرية أكثر تميزًا. وتتمتع بدرجة أكبر من الحرية قياسًا بوسائل الإعلام الرسمية والحزبية. وتعد وسائل الإعلام الخاصة الأنسب لتحقيق طموحات الدول والحكومات لتنفيذ خططها لمكافحة الإرهاب. إلا أن طبيعة عمل هذه الوسائل. وطبيعة الأهداف التي أنشئت من أجلها والتي يأتي تحقيق الأرباح في مقدمتها تحول دون إمكانية توظيفها كأدوات فاعلة لمكافحة الإرهاب. ذلك أن بعضًا من هذه الوسائل الخاصة يعتمد بشكل أساسي علي الإثارة والتشويق فيما يقدمه من موضوعات. كما أن بعضًا منها يتخذ من الحكومات والسلطات الرسمية خصمًا لا يمكنها التعاون معه حتي في حربه المشروعة ضد الإرهاب!! ومن هنا تواجه الدول والحكومات العربية مأزقًا بالغ الخطورة حين لا تجد منابر إعلامية قوية ومؤثرة في حربها ضد الإرهاب. وفي سعيها الدءوب لتحقيق السبق والتفوق تقع وسائل الإعلام العربية أحيانًا كثيرة بقصد. وأحيانًا قليلة بغير قصد في أخطاء تمنح الإرهابيين ومنظماتهم فرصًا ذهبية لعرض أفكارهم ورؤاهم. وكسب المؤيدين والمتعاطفين معهم. ولقد دفع ذلك العديد من الباحثين إلي اتهام وسائل الإعلام بالتعاطف مع الإرهابيين ودعم أنشطتهم بوصفها منابر تنجح الجماعات والتنظيمات الإرهابية في النفاذ إليها واستغلالها لتحقيق أهدافها. بل اتىهمت تلك الوسائل بصناعة الارهاب وهو قول ينطوي علي كثير من المبالغة والتجاوز وإن كان يتضمن جزءًا من الحقيقة لا يمكن إغفاله!!