علي مائدة إفطار رمضانية دار حوار جانبي مع أحد مسئولي نقابة المهندسين المصرية عما حدث بالنسبة لعمارة الإسكندرية المائلة ذات الإثني عشر طابقا والتي أثارت العديد من التعليقات حول فساد المحليات, أشار فيه إلي أن ترخيص العمارة ثلاثة طوابق فقط وهي بالتالي مخالفة لترخيص بنائها وأن النقابة قد شرعت في عقد ندوات عن هذا الموضوع مشيرا إلي أن الحل هو استحداث وظيفة لبعض المهندسين في النقابة لمتابعة عمليات البناء بعد حصول النقابة علي البيانات اللازمة من المحليات! ولنا أن نتعجب عن هذا المشروع الذي يعلم الجميع سذاجته فمهندسو المحليات يخلون مسئوليتهم عن الأمر بإخطار الشرطة بقرار إزالة المخالفات والشرطة تفيد بعدم وجود قوة كافية لتنفيذ كل تلك التعديات وهي دائرة سليمة ورقيا لحد ما وإن كان يشوبها الانتقائية ولكن المؤكد للجميع أن هناك فسادا في المحليات علينا جميعا مجابهته! في ذات الحوار ذكرت أن المحليات مشتركة في الجريمة لأنها لم توقف إمداد المبني المخالف بالمياه والكهرباء ولكن محاوري استمر في مراوغته خاصة عندما ذكرت له أن النقابة عليها مسئولية تجاه المهنة وأن من واجبها إحالة المشاركين في قضايا المخالفات من المهندسين إلي محاكمات تأديبية مماثلة لما قامت به نقابة الأطباء تجاه الأطباء مروجي جهاز علاج السرطان والإيدز! ولكن محاوري استمر في ادعائه أن تلك المحاكمات لن تجدي دون إبداء الأسباب. بقي أن أذكر أن محاوري مهندس مدني! لقد تخلت نقابة المهندسين عن دورها الوطني في العديد من المشاريع القومية بعدم إدلائها بدلوها في تقييم تلك المشاريع سواء أثبتت تلك المشاريع نجاحها أم لا. فهل للنقابة أن تغيب عن قضية المحليات وتقدم من يتخاذل عن أداء دوره بموجب قانونها والأعراف الهندسية للمحاكمة التأديبية النقابية؟ قضية المباني المخالفة أصبحت سمة مميزة للعمارة في مصر; حيث لم يتبق حي واحد في القاهرة علي طابعه الأصلي; ولكن أضيف لها بعد آخر بهدم الفيلات التي تباع بأسعار فلكية لتقام مكانها أبراجا سكنية وإدارية في مناطق لها سعة محددة وطابع معماري معين. تلك القضية التي يشهد عليها حي العباسية والذي كان أحد الأحياء الراقية قبل أن يصبح متوسطا. أشير بهذا إلي تكرار جريمة تغيير الطابع المعماري للمناطق فحي مصر الجديدة مثلا تجري فيه علي قدم وساق عمليات هدم للفيلات والعمارات التي اتبعت اشتراطات البناء لتحل محلها أبراج سكنية وإدارية لا تتحملها بنية المرافق الأساسية من مياه وكهرباء وصرف صحي ولا يحتملها عرض الشارع; وهي أمور تضر بسلام الشارع ونسيجه الاجتماعي الذي اختل نتيجة دخول تلك الأموال عليه فتزايدت معه الفجوة الاجتماعية بين قاطنيه الأصليين بما أكسبهم التضخم من شعور بالتراجع في السلم الاجتماعي وبين قاطنين جدد تلعب ملايينهم بالبنية التحتية والبشرية للحي لعبا! قضية التنمية يجب أن تأخذ في اعتبارها مختلف الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والترفيهية والثقافية. ولنتساءل هل يرتبط أداء مكاتب الأحياء الهندسية بمستوي جودة التعليم الهندسي الذي ما أضاف للهندسة إلا أقل القليل؟ وهل تقع مسئولية انحدار مهنة الهندسة وانحدار القيم الهندسية في تعامل الهيئات الهندسية علي عدم كفاءة التعليم الهندسي أم إلي هيكل الجمعيات الهندسية أم إلي هيكل نقابة المهندسين أم إلي شيء آخر؟ وسط هذا لم تقم جامعاتنا بمختلف تخصصاتها الهندسية والاجتماعية والقانونية بطرح أية حلول لتلك المشاكل المجتمعية ودعونا نتساءل علي من تشير أصابع الاتهام؟ ولعلي لا أتمني ألا تحدث عمارة الإسكندرية المائلة إلا قليل من تحريك مياه الفنجان بلا فوران!