الصبر هو: منع وحبس النفس عن الجذع, واللسان عن التشكي, والجوارح عن التشويش: كلطم الخدود, وشق الجيوب ونحوهما. وحقيقة الصبر: هو خلق فاضل من أخلاق النفس, يمنع صاحبه من فعل ما لا يحسن, ولا يجمل, وهو قوة من قوي النفس التي بها صلاح شأنها, وقوام أمرها. وهذه القوة تمكن الإنسان من ضبط نفسه لتحمل المتاعب, والمشاق, والآلام. يقول الدكتور أسامة الشيخ بكلية الشريعة والقانون بطنطا: يعتبر الصبر من أبرز الأخلاق الوارد ذكرها في القرآن, حتي لقد زادت مواضع ذكره فيه علي مائة موضع, وما ذلك إلا لدوران كل الأخلاق عليه, وصدورها منه, فكلما قلبت خلقا أو فضيلة وجدت أساسها وركيزتها الصبر, فالعفة: صبر عن شهوة الفرج والعين المحرمة, وشرف النفس: صبر عن شهوة البطن, وكتمان السر: صبر إظهار مالا يحسن إظهاره من الكلام, والزهد: صبر عن فضول العيش, والقناعة: صبر علي القدر الكافي من الدنيا, والحلم: صبر عن اجابة داعي الغضب, والوقار: صبر عن إجابة داعي العجلة والطيش, والشجاعة: صبر عن داعي الفرار والهرب, والعفو: صبر عن إجابة داعي الانتقام, والجود: صبر عن إجابة داعي البخل, والكيس: صبر عن إجابة داعي العجز والكسل وهذا يدلك علي ارتباط مقامات الدين كلها بالصبر, وقد ورد الأمر بالصبر في مواضع كثيرة من القرآن الكريم منها: قول الله تعالي:( واتبع ما يوحي إليك واصبر حتي يحكم الله وهو خير الحاكمين),( يونس:109), وقوله:( واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين),(هود:115) وقوله:( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون),( النحل:126-127) وقوله:( واصبر علي ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)( لقمان:17) ويضيف الدكتور أسامة الشيخ أن للصبر مجالات كثيرة في حياة الإنسان, منها: المجال الأول: ضبط النفس عن السأم والملل عند القيام بالأعمال التي تتطلب الصبر والمثابرة خلال مدة مناسبة قد يراها المستعجل مدة طويلة. المجال الثاني: ضبط النفس عن الضجر والجزع عند حلول المصائب والمكاره. المجال الثالث: ضبط النفس عن العجلة والرعونة عند تحقيق مطلب من المطالب المادية أو المعنوية. المجال الرابع: ضبط النفس عن الغضب, والطيش عند مثيرات عوامل الغضب في النفس, ومحرضات الإرادة للاندفاع بطيش لا حكمة فيه ولا اتزان في القول أو في العمل. المجال الخامس: ضبط النفس عن الخوف عند مثيرات الخوف في النفس, حتي لا يجبن الإنسان في المواضع التي تحسن فيها الشجاعة, وتكون خيرا, ويقبح فيها الجبن ويكون شرا. المجال السادس: ضبط النفس عن الطمع عند مثيرات الطمع حتي لا يندفع الإنسان وراء الطمع في أمر يقبح الطمع فيه. المجال السابع: ضبط النفس عن الاندفاع وراء أهوائها, وشهواتها وغرائزها كلما كان هذا الاندفاع أمرا لا خير فيه. المجال الثامن: ضبط النفس لتحمل المتاعب, والمشاق, والآلام الجسدية والنفسية كلما كان في هذا التحمل خيرا عاجلا أو آجلا. وحين يتأمل المسلم في المجالات التي تحتاج إلي صبر في حياة الإنسان يتبين له أن الصبر ضرورة لكل عمل نافع, فكسب الرزق يحتاج إلي صبر, ومعاملة الناس تحتاج إلي صبر, والقيام بالواجبات والمستحبات يحتاج إلي صبر, والكف عن المحرمات والمكروهات يحتاج إلي صبر, والجهاد في سبيل الله يحتاج إلي صبر, ومقارعة شدائد الحياة ومقاومة مكارهها وتحمل تكاليفها تحتاج إلي صبر, وكظم الغيظ والدفع بالتي هي أحسن أمور تحتاج إلي حظ عظيم من خلق الصبر. ويوضح الدكتور أسامة الشيخ أن الصبر قد يكون واجبا وقد يكون مندوبا وقد يكون مباحا وقد يكون محرما وقد يكون مكروها, وذلك علي النحو التالي: القسم الأول: صبر واجب: كالصبر علي الطاعات, والصبر عن المحرمات, والصبر علي المصائب التي لا صنع للعبد فيها: كالأمراض, والفقر, وفقد الأنفس والأموال وغيرها. القسم الثاني: صبر مندوب: كالصبر عن المكروهات, والصبر علي المستحبات. القسم الثالث: صبر محرم: كالصبر علي المحرمات: كمن يصبر عن الطعام والشراب حتي يموت أو يصبر علي ما يهلكه من سبع أو حية, أو حريق أو ماء, وهو يستطيع مدافعة ذلك بالأسباب النافعة. القسم الرابع: صبر مكروه: كمن يصبر عن الطعام والشراب حتي يتضرر بذلك بدنه. القسم الخامس: صبر مباح: وهو الصبر عن كل فعل مستوي الطرفين خير بين فعله وتركه. والصبر المحمود والمأجور عليه صاحبه هو ما اشتمل علي شروط ثلاثة:الإخلاص لله( ولربك فاصبر)( المدثر:7). عدم الشكوي إلي العباد. أن يكون الصبر في أوانه عند الصدمة الأولي. ويقول الدكتور سمير عبد المنعم حسن بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر بالقاهرة إن خلق الصبر خلق عظيم حث عليه القرآن الكريم بأساليب شتي وكذلك السنة المشرفة, كما كان النبي صلي الله عليه وسلم نموذجا عمليا للصابر الشاكر وهذا الخلق ليس خلقا سلبيا كما يظن بعض الناس وإنما هو جهد نفس للتآبي علي المعاصي والابتعاد عن السيئات وهو نصف الإيمان ويحتاج إليه كل إنسان والإنسان لا يستغني عن الصبر في جميع أحواله, لأن جميع ما يلقاه في حياته لا يخلو من نوعين, الأول الذي يؤمن هواه ومراده والثاني الذي لا يوافق هواه بل يكرهه وهو محتاج للصبر في كل منهما. ويشير الدكتور سمير عبدالمنعم إلي أن للصبر فضلا كبيرا, حيث بين القرآن الكريم في أكثر من موضع أن عاقبة الصابرين هي النعيم العظيم في الجنة فقال عن عباد الرحمن في سورة الفرقان أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما( آية75) وقال تعالي وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا( الإنسان آية22) ويصل القرآن الكريم في تكريم الصابرين إلي أن ثوابهم غير محدود قال تعالي إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب الزمر آية10 ويبين القرآن الكريم أن معية الله تعالي مع الصابرين قال تعالي إن الله مع الصابرين وأن محبة الله تعالي للصابرين كقوله في سورة آل عمران والله يحب الصابرين وإطلاق البشري لأهل الصبر كقوله في سورة البقرة وبشر الصابرين( الآية155). كذلك أخبر القرآن الكريم أن أهل الصبر هم أهل العزائم كقوله تعالي في سورة الشوري ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور( آية43) وكذلك أخبر القرآن الكريم أن الصبر واليقين يورثان صاحبهما درجة الإمامة في الدين كقوله تعالي في سورة السجدة وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون( آية24) والصبر والصلاة عدة وعون لمن استعان بهما فقال تعالي في سورة البقرة واستعينوا بالصبر والصلاة. وبين رسول الله صلي الله عليه وسلم أن للصبر فضلا عظيما, عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتي الشوكة يشاكها. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ما يصيب المسلم من نصب ولا وهب ولا هم ولا حزن ولا غم حتي الشوكة إلا يكفر الله بها من خطاياه وقال أيضا... ومن يستعفف يعفه الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر. ويوضح الدكتور سمير عبد المنعم ما يستعان به علي الصبر أولا معرفة طبيعة الحياة الدنيا قال تعالي: لقد خلقنا الإنسان في كبد. فحياة الإنسان محفوفة بالمتاعب وهي لا تثبت علي حال والدنيا يوم لك ويوم عليك ومن يعرف ذلك لا يسخط بل يصبر ويحتسب. وما يستعان به علي الصبر اليقين بحسن الجزاء عند الله تعالي فالله سبحانه وتعالي لا يضيع أجر الصابرين وإنما يوفون أجورهم بغير حساب ويجزون أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون فإذا تذكر المصاب هذا الجزاء والعطاء استقبل المصيبة بصبر جميل. وما يستعان به أيضا علي الصبر اليقين بالفرج ومما يخفف علي الإنسان مصيبته رجاؤه في الله سبحانه وتعالي ويقينه بأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا وهذا وعد من الله تعالي للصابرين. وما يستعان به علي الصبر أيضا الاستعانة بالله تعالي, حيث مما يمنح الإنسان الصبر أن يستعين بالله ويلجأ إليه ويتوكل عليه كما قال الله تعالي في سورة الطور واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا.