كانت الفكرة في رأسها لكن قلب الأم يخشي علي ابنها مواجهة الدنيا بمرها وخطرها.. دارت الفكرة عدة مرات وفي كل مرة يرد حالها عليها.. ويطل السؤال الكريه من أين.. حتي جاءت الإجابة علي لسان الإبن ذي الخمسة عشر ربيعا.. أساعد يا أمي في مصاريف البيت.. ونزل إلي الشارع مصحوبا بدعوات السلامة من الأم وتطور الأمر وأشرك صديق عمره وقريبه ولم ينتظرا إحسانا ولا منة وطرقا سوق العمل بكل ماتعنيه الكلمة يبيعان وجبة فول مصنوعة بالدعوات بجبر الخاطر والستر.. وتحركت عجلات عربة الفول والبليلة بالشوارع وتعودت الأذان عليهما.. الجميع يسأل عن جرس الفول.. ضرب.. محمد وأحمد لا يتحدث عنهما الطبقات الراقية في حي توريل الشهير فقط.. وإنما بدأ بعض الفتيان والشباب يحذون حذوهم والتفكير فيما يجلب الستر بالحلال والعرق. وبمرور الوقت أصبح جرس عربة الفول ينبه إلي اقتراب موعد آذان المغرب وقبل السحور فعلي الرغم من حداثة سنهما إلا أنهما استقويا بالعزيمة ودعوات الأم وتوكلا علي الله.. يطوفان بعربتهما الخشبية أرجاء المنطقة الراقية وبابتسامة عريضة تلفت نظر المارة قبيل آذان المغرب يقدمان طبق الفول بالزيت الحار مع قطع من المخلل, والبصل.. وابتسامتهما المميزة جعلت زبائنهما يشعرون أنها عادة يومية لشراء الفول والبليلة منهما واستقبال الابتسامة والذي يتصف بمذاق مختلف أحمد ومحمد بائعا الفول والبليلة بحي توريل الراقي واللذان عرفا وسط زبائنهما بفول وبليلة. يقول أحمد البالغ من العمر15 عاما:( تركت الدراسة لأساعد أسرتي ومنذ وعيت وأسرتي وجيراني بيقولوا علي الراجل وقررت أن أعمل أنا وابن خالتي محمد14 عاما في بيع الفول الذي تعده أمي ولأن تلك المنطقة راقية فلا تجد بها محلا لبيع الفول و البليلة. يضيف محمد: نخرج في الصباح الباكر من منطقة كفر البدماص التي نقيم بها و نجر عربة الفول إلي توريل بالجهة المقابلة وعلي العربة الصغيرة قدرة للفول و أخري للبليلة وما يجذب الزبائن لنا رائحة الفول الشهية التي تفوح بمجرد مرورنا في أرجاء الشارع وعقب وصولنا للمكان المخصص لنا مباشرة,يتوافد الزبائن المعتادين وتقوم والدتي ووالدة احمد بتجهيز قدرة اليوم التالي ليلا و(عشان مفيش حاجة بالساهل احنا قررنا نساعد أهلنا, لان اللقمة بالعرق أحسن من قعدة البيت أو المال الحرام وأضاف الطفلان إحنا مش بنكسب كتير لان أسعار البوتاجاز الذي يستخدم في تدميس الفول زادت وسعر كيلو الفول عال فالجوال ارتفع ثمنه من100 جنيه إلي150 جنيها وسعر كيلو الفول الناشف بقي ب3.5 أو4 جنيه.. واستطرد الطفلان الحمد لله علي المكسب القليل ولا نخاف سوي ملاحقة رجال المرافق لأننا بائعان متجولان وإحنا أحسن من غيرنا بس العيشة صعبة والفول هو ملك السحور في رمضان عندنا وهناك أذواق تعشقه علي الإفطار ويبتسم ويقول: وده رزقنا من السماء.. والعمل في المنطقة الراقية يتحول في شهر الصيام إلي مصدر معاناة ففي رمضان الناس تشتري الكمية تقل عن المعتاد باتنين جنيه او أكثر لكيس الفول في رمضان المكسب بيقل كتير في رمضان, لأن المنطقة مش شعبية واللي بياخد مرة مش بياخد التانية) و يفتقد الصبيان, خلال شهر رمضان زبائنهما الذين يكونون عادة من العمال والموظفين العاملين في المنطقة طوال أيان السنة, ليكون سكان المنطقة هم زبائنه, لذلك يقل المكسب..وعلي الرغم من ذلك يرفضان الانتقال إلي منطقة ثانية خلال شهر رمضان.