تدور أحوال المتقين بين تسعة أبواب منها التوبة والصبر والرجاء والخوف والزهد والتوكل والرضا والمحبة.. فروض التوبة أول مقامات اليقين.. وتوبوا إلي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون و ياأيها الذين آمنوا توبوا إلي الله توبة نصوحا وهو الاستقامة علي الطاعة, وألا يحدث نفسه بعود إلي الذنب, وأن يترك الذنب لأجل الله تعالي خالصا لوجهه كما ارتكبه لأجل هواه مجمعا عليه بقلبه وشهوته. وسئل الحسن عن التوبة النصوح فقال: هي ندم بالقلب والإستغفار باللسان وترك بالجوارح وإضمار ألا يعود إليه, وقال النبي صلي الله عليه وسلم في حديث أبي ذرا, فإذا عملت سيئة فاعمل بعدها حسنة, السر بالسر والعلانية بالعلانية, وفي وصية معاذ أتبع السيئة الحسنة تمحها, وسئل يحيي بن معاذ رحمه الله: كيف يصنع التائب؟ فقال: هو من عمره بين يومين, يوم مضي ويوم بقي, فيصلحهما بثلاث, أما ما مضي فالندم والاستغفار, وأما ما بقي فبترك التخليط وأهله ولزوم المريدين ومجالسة الذاكرين, والثالثة لزوم تصفية الغذاء والدءوب علي العمل. ومن علامة صدق التوبة رقة القلب وغزارة الدمع. وقال بلال بن سعد: لا تنظر إلي صغر الخطيئة, ولكن أنظر إلي من عصيت.. فإنما عظمت الوجوه عن تعظيم المواجه بها, فكانت الصغائر عند الخائفين كبائر, ومن يعظم حرمات الله فهو خير له, ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب, وأوحي الله تعالي إلي بعض أوليائه كم من ذنب رأيته منك قد أهلكت بدونه أمة من الأمم. وأن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه, وقيل الرزق من الحرام من قلة التوفيق للأعمال الصالحة, وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: إني لأحسب أن العبد ينسي العلم بالذنب يصيبه ولو لم يكن من بركة التوبة والعلم والاستقامة علي الطاعة, إلا أن كل ما يصيب العبد فهو خير له, إن كان سعة فهو رفق من الله تعالي به ولطف منه,وإن كان ضيقا فهو احتبار من الله تعالي وخيرة للعبد, وقال بعض السلف: ليست اللعنة سوادا في الوجه ونقصا في المال, إنما اللعنة ألا يخرج من ذنب إلا وقع في مثله أو شر منه, وكان الفضيل يقول: ما أنكرت من تغير الزمان وجفاء الإخوان فذنوبك أورثتك ذلك, ويقال: نسيان القرآن بعد حفظه من أشد العقوبات, والمنع من تلاوته وضيق الصدر بتلاوته والاشتغال عنه بضده عقوبة الإصرار.. وقال البعض: إني لأعرف عقوبة ذنبي في سوء خلق حماري, وقال أخر أعرف العقوبة حتي في نار بيتي!! ولكل ذنب عقوبة إلا أن يعفو الله, والعقوبة ليست علي قدر الذنب ولا من حيث يعلم العبد, لكنها علي تقدير المشيئة وعن سابق علم الربوبية, فربما كانت في قلب, وهي من أمراض القلوب, وربما كانت في الجسد, وقد تكون في الأموال والأهل, وتكون في سقوط الجاه والمنزلة في عيون علماء الإسلام والمؤمنين, وقد تكون مؤجلة في الأخرة وهذه أعظم العقوبات. وكان سهل بن عبدالله يقول: الصبر تصديق الصدق, وأفضل منازل الطاعة صبر علي معصية, ثم الصبر علي الطاعة, ويخبر عن موسي عليه السلام أنه قال للخضرعليه السلام بأي شيء أطلعك الله تعالي علي علم الغيب؟ فقال بترك المعاصي لأجل الله تعالي, فالجزاء من الله تعالي يجعله غاية العطاء لا علي قدر العمل, لكن إذا عمل له عبد شيئا لأجله أعطاه أجره بغير حساب.