معني التوبة: الرجوع. تقول: تاب إلي الله تعالي. أي رجع إليه سبحانه بعد أن انحرف عن طريقه المستقيم. ولا تكون التوبة إلا من ذنب. ولذلك يشترط لصحة التوبة: الاعتراف أولاً بالذنب. ثم الإقلاع عنه. والندم علي فعله. والاستغفار منه. والعزم علي ألا يعود إليه أبداً ما استطاع إلي ذلك سبيلاً. والتوبة من المعاصي والذنوب واجبة في كل الأحوال» لعموم قوله تعالي: "وتوبوا إلي الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون" "النور: 31". وقوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا توبوا إلي الله توبة نصوحاً عسي ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه" "التحريم: 8". والتوبة النصوح هي التي تطهر صاحبها مستقبلاً من أن يعود إلي الذنب الذي وقع فيه. وهذا لا يكون إلا بالصدق مع النفس. أما إن عاد إلي مثل الذنب الذي تاب منه فإنه يتأكد عليه الوجوب أن يتوب مرة أخري. وليعلم أن توبته الأولي لم تكن نصوحاً بل كانت توبة مريضة تحتاج إلي توبة أخري أقوي وأكد. فقد أخرج الإمام أحمد بإسناد ضعيف عن عبدالله بن مسعود أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم يعود فيه". كما أخرج برجال الصحيح عن عائشة أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "التوبة من الذنب الندم والاستغفار". وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن البصري أنه قال: التوبة النصوح أن تبغض الذنب كما أحببته. وتستغفر منه إذا ذكرته. ويستدل جمهور الفقهاء علي أن التوبة النصوح لا تصح إلا بالإقلاع عن الذنب مدي الحياة: بما أخرجه الشيخان عن ابن مسعود. أن رجلاً قال: يا رسول الله. أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ فقال - صلي الله عليه وسلم -: "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية. ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر". قال ابن كثير: فإذا كان هذا في الإسلام الذي هو أقوي من التوبة فالتوبة بطريق الأولي. أي أن من تاب من ذنبه فلم يعد إليه أبداً لم يؤاخذ به. أما إن عاد إلي ذنبه فإنه يؤاخذ بالذنب في المرة الأولي والثانية. ويري بعض أهل العلم أنه لا يشترط لصحة التوبة النصوح عدم العودة إلي الذنب نفسه حتي الممات. بل يكفي لصحة التوبة النصوح العزم علي ألا يعود» لأن الإنسان جبل علي الضعف كما قال تعالي: "وخلق الإنسان ضعيفاً" "النساء: 28". ولأن العزم علي عدم العود هو ما يملكه الإنسان بيقين فكان التكليف به» لعموم قوله تعالي: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" "البقرة: 286". وفي جميع الأحوال يجب التذكير بسعة رحمة الله تعالي لجميع التائبين تشجيعاً لهم في البعد عن المعاصي والآثام. وترغيباً لهم في الإقبال علي الله تعالي. كما قال سبحانه: "قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ہ وأنيبوا إلي ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ہ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون" "الزمر: 53 - 55".